السبت، 10 مايو 2014

الأسرة : التعريف، التطور، البناء (١)



مقدمة :

          ليس هناك نظام اجتماعي قيل عنه الكثير وضرب به المثل وانتقد ولم يفهم جيدا مثل نظام الأسرة Family . فالعديد من ذكرياتنا عن الطفولة وآمالنا في المستقبل تتمركز حول الأسر. فهي أهم مؤسسة اجتماعية تساعدنا على تشكيل شخصياتنا والتكيف مع البيئات المتغيرة حولنا. وبالطبع فإن هذا الدور هو الذي أضفى على الأسرة اهتماماً خاصاً، وساعد على تطورها كمؤسسة اجتماعية.

          فالأسرة هي الوحدة الأساسية في التنظيم الاجتماعي بمعنى أننا من خلالها نتطبع بعادات المجتمع. كما يجد الآباء والكبار أيضاً داخل الأسرة العديد من مصادر الرضا ويساهمون في استمرارية الحياة نفسها، وعلى الرغم من ذلك تتسبب الأسرة في خلق العديد من مشاكلنا الشخصية والاجتماعية بسبب أهميتها وشيوع روح الألفة والأسرية . ومن ثم ينظر الكثير منا إلى الأسرة على أنها تشكل أول خبراتها عن الحياة الاجتماعية في حين ينظر إليها البعض الأخر على أنها أكثر الجماعات استمرارية وبقاء. ويذهب فريق ثالث إلى أن الأسرة هي بالضرورة وحدة بيولوجية وأن مهمتها الأساسية هي التناسل وحفظ الأنواع. بينما يرى فريق رابع أن الأسرة لها طبيعة اجتماعية ثقافية، وأنها تشتق أساساً من المجتمع Society .
         أما بالنسبة لهؤلاء الذين يؤيدون النظرة البيولوجية Biological، فإن الأسرة باعتبارها جماعة متماسكة تتكون من أبوين ونسلهما، وليست متوقفة على الانسان ولكن توجد أيضاً في مجموعة الثدييات Mammals والطيور Birds ويرون أن الأسرة هي رابطة طبيعية تكونت للعناية بالصغار في فترة عدم قدرتهم على العناية بأنفسهم، وبمقارنة أطفال الجنس البشري بغيرهم من الأنواع الأخرى نجد أنهم يولدون بأعداد قليلة وبطريقة غير مستمرة ويظلون عاجزين لفترات طويلة، لذلك فإن العناية المستمرة ضرورية حتى يتسنى بقاء عدد كاف يضمن استمرار الجنس البشري. قد يكون ذلك صحيحا، ولكن الأسرة الانسانية تتميز بوجود الدساتير التي هي بلا شك اجتماعية، ووجود هذه الدساتير الاجتماعية وما تمثله من المعايير الثقافية التي تنقل عبر الأجيال المتلاحقة مع غيرها من الخصائص الإدراكية يميز الأسرة الانسانية عن غيرها مما يعرف باسم الأسرة البيولوجية الأخرى Families of other species .
         
         وعلى الرغم من أن الأسرة الانسانية ترتبط بشبكة من المؤسسات في المجتمع، فإن رابطها الأقوى يكون بالزواج Marriage الذي ينظم العلاقات بين الأفراد ويعطيها طابعا رسميا، ومن ثم يكون للزواج أهمية بالغة لفكرة الأسرة في كل المجتمعات. حيث يرى وستر مارك Wester Marck أن الزواج هو علاقة رجل أو أكثر مع امرأة أو أكثر تقرها القوانين أو العادات وتشتمل على حقوق وواجبات في حال الطرفين المشتركين وكذلك في حالة أطفالهما. ويصور لنا تعريف وستر مارك الزواج على أنه اجتماعي بحت ومميز تماماً عن مجرد الزواج البيولوجي، ويؤكد على الخصائص التي تشكل جوهر الزواج في كل المجتمعات، وبخاصة يجب أن يقره المجتمع أولاً وأن له حقوق وواجبات ترتبط به ثانياً. لذلك فإنه يستبعد العلاقات الجنسية العارضة. وكذلك العلاقات الثابتة غير المنتظمة، أي التي لا يقرها المجتمع وذلك وذلك على الرغم من أن بعض هذه العلاقات الأخيرة يمكن أن تسمى أسر ولكن لا يمكن أن نسميها زواج .



التعريف :

        وإذا كانت الأسرة الانسانية تختلف على النحو عن بقية أنواع الأسر البيولوجية، فماهو تعريف الأسرة .

       يشير المعنى الواسع للأسرة إلى مجموعة الأفراد الذين يعتقدون فيما بينهم أنهم ينتمون إلى جماعة مستقلة داخل المجتمع، ويربطون الواحد بالآخر عن طريق روابط الدم Blood أو الزواج Marriage. ويدرجها بقية أفراد المجتمع، ويرون أن هؤلاء يرتبطون ببعضهم البعض عن طريق علاقات خاصة تجمعهم. وطبقا لبروم  L.Broom وسيليزنيك P.Selznick أن الأسرة تتوسط بين الفرد والمجتمع وتساعد الفرد على أخذ مكانته في العالم الواسع .

       على أية حال يشتمل مصطلح الأسرة في استعماله العام (أسرة النواة) Nuclear Family التي تتكون من الزوج والزوجة والأولاد فقط ولا تضم أفراد آخرين، وكذلك على بعض الجماعات مثل الزوجين اللذين لم ينجبا، والأب يعيش مع ابن واحد، غير متزوج أو أكثر من ابن، وكذلك (الأسرة الممتدة) Extended Family التي تتكون ليس فقط من الآباء والأطفال وإنما تمتد لتشمل الأقارب الآخرين الأجداد والأعمام والعمات،وكذلك أيضاً رجل كبير وزوجته (أو عدة زوجات) وأطفالهم المتزوجين وزوجاتهم وأطفالهم غير المتزوجين ويشكلون حياة اقتصادية اجتماعية تحت رئاسة الأب الأكبر أو رئيس العائلة .
     
       ولقد أصبح من الشائع في الولايات المتحدة الإشارة الى الاسرة بمصطلح النواة التي تتكون من الزوج والزوجة وأطفالهما وعادة ما يكون الزوج عاملا أما الزوجة فتمكث في المنزل. وقد أصبحت هذه النظرة متأصلة، وعلى الرغم من قلة الأسر التي توافق على هذا الوصف للأسرة النواة، علاوة على أن هذا المفهوم لم يلق قبولا في جميع أرجاء العالم. وكذلك فإن العديد من الآراء عن الزواج والأسرة لم تحظ بقبول عام، حيث تختلف باختلاف المجتمعات. ولكن الحقيقة التي يمكن أن نؤكد عليها أن الأسرة كانت الجماعة الأولية والمستمرة عبر مراحل التاريخ وبين كل شعوب العالم .

        ويؤكد كثير من علماء الاجتماع أن الزواج وثمرته من الأطفال يؤدي إلى تكوين أسرة، بمعنى أن الاتحاد الدائم المستقر بين الرجل والمرأة بصورة يقرها المجتمع هو أساس تكوين أسرة. بينما الزواج الذي لا تصاحبها ذرية لا يكون أسرة، لأن مثل هذا الزواج العقيم من السهل جداً ان ينفصل عراه . ومن ثم أخذ قانون الضمان الاجتماعي المصري بهذا الرأي حيث يعرف الأسرة بأنها مجموعة من الأفراد مكونة من زوج وزوجة وأولاد في محل إقامة واحد، أو بعض أفراد هذه المجموعة إذا كانوا في معيشة موحدة ولو تباعدت محل إقامتهم .

       إلا أننا لا نستطيع أن ندعم هذا التعريف على طول الخط حيث تنتابه كثير من نواحي القصور والضعف من أهمها أنه لا ينطبق مع الواقع الفعلي إن لم يكن في كل المجتمعات فعلى الأقل من بعضها لأن هناك العديد من الأسر العقيمة التي تستمر حياتها على الرغم من عدم إنجاب أطفال، ويؤكد الواقع الفعلي ذلك . مما جعل بعض الباحثين على سبيل المثال أوجبرن و نيمكوف W.Ogburn & Nimcoff يعرفان الأسرة بأنها رابطة اجتماعية من زوج وزوجة وأطفالهما أو بدون أطفال، أو من زوج بمفرده مع أطفاله أو زوجة بمفردها مع أطفالها. و قد تكون الأسرة أكبر من ذلك بمعنى أنها تشتمل بالاضافة إلى الأفراد السابقين أفراد آخرين الجدود والأحفاد وبعض الأقارب شريطة أن يكونوا مشتركين في معيشة واحدة مع الزوج والزوجة والأطفال أو بدونهم .

         كما تعرف الأسرة أيضاً بأنها تجمع اجتماعي قانوني لأفراد اتحدوا بروابط الزواج والقرابة أو بروابط التبني Adoption وهم في الغالب يشاركون بعضهم بعضا في منزل واحد، ويتفاعلون تفاعلا متبادلا طبقا لأدوار اجتماعية محددة تحديدا دقيقا وتدعمها ثقافة عامة .
        ويتفق كل من بيرجس ولوك E. W. Burgess & H. J. Locke مع التعريف السابق حيث عرف الأسرة في كتابهما الأسرة الذي صدر عام ١٩٥٣ بأنها مجموعة من الأشخاص ارتبطوا بروابط الزواج، الدم، الاصطفاء أو التبني مكونين حياة معيشية مستقلة، ومتفاعلة ويتقاسمون الحياة الاجتماعية كل مع الآخر ولكل من أفرادها، الزوج والزوجة الأم والأب والابن والبنت، دورا اجتماعيا خاصا به ولهم ثقافتهم المشتركة . 
         وبالرغم من المآخذ التي تؤخذ على هذا التعريف والتي توجد في ذاته فإنه أفضل كثير من تعريف كينجزلي ديفز Kingsley Davis الذي عرف الأسرة بأنها جماعة من الأشخاص الذين تقوم العلاقات بينهم على أساس قرابة العصب ويكون كل منهم بناء على ذلك صهر للآخر . ويعد هذا تعريفا ناقصا للأسرة في الغرب المعاصر حيث يمكن أن يكون الأب الشرعي وغير الشرعي هو نفس الشخص فآلتبني هناك معترف به تماماً فالشخص المتبنى له عادة نفس حقوق عضو العائلة . كما أنه في بعض المجتمعات الصغيرة ، فإن الروابط الأسرية تتطلب اعترافا لذاته كابن لأب. ومع ذلك فإن النقص الأساسي في تعريف بيرجس و لوك هو أنه ينكر الفروق الحقيقية التي توجد في بناء الأسرة مثلما هي بين بعض المجتمعات.
 
        بينما يذهب كثير من المفكرين المحدثين - وخاصة من الأمريكان - إلى إطلاق لفظة الاسرة على كل وحدة اجتماعية مكونة من شخص واحد أو مجموعة أشخاص تكفل لنفسها استقلالاً اقتصاديا منزليا سواء انطوت هذه المجموعة  على وجود نساء وأطفال أو اقتصرت على عنصر الرجال فقط .
       وفي ضوء هذه الاعتبارات يعتبر كل فرد مستقل في معيشته أسرة وكذلك مجموعة الأصدقاء الذين يعيشون معيشة منزلية واحدة، وينطبق هذا التعريف أيضاً على المؤسسات الاجتماعية التي ترعى مئات الأطفال، ويذهب البعض إلى أنه من الأفضل أن يطلق على الوحدات ذات الطابع الاقتصادي والمعيشي اسم العائلة سواء كانت مرتكزة على القرابة أو لم تكن كذلك، أما لفظ أسرة بالمعنى العلمي الاجتماعي فيكون مقصوراً على نظم الأسرة الزوجية ومت نطوي عليه من اعتبارات متعلقة بنطاقها ومحور القرابة فيها والأشكال الزواجية التي تحددها الحقوق والواجبات المتبادلة بين عناصرها .

        يتضح من هذا العرض أنه ليس هناك تعريفا واحدا متفقا عليه للأسرة، فإذا كانت الاسرة تختلف من مجتمع لآخر بل وفي المجتمع الواحد ، فقد انعكس ذلك على تعريفها شأنها في ذلك شأن معظم تعريفات علم الاجتماع بوجه عام . فمن الصعوبة ان لم يكن من المستحيل أن نعرض للعديد من التعميمات أو الأحكام العامة للأسرة ويقبله المجتمع، ولكن الرأي الوحيد الذي يمكن قبوله بدون جدل، ان كل المجتمعات تتميز بشكل معين عن بناء الأسرة التي تقوم ببعض الوظائف المحددة، وبالرغم من أن شكل البناء والطرق التي تقوم بها الأسرة لتنفيذ مهامها ومشاركتها مع غيرها من المؤسسات قد تغيرت عبر العصور ، فقد وجدت وحدة اجتماعية أساسية تسمى الأسرة ..................     من كتاب :  " دراسات أسرية " 




        Dr.sayedghonim.        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق