السبت، 6 سبتمبر 2014

الأسرة : التعريف، التطور، البناء (٢)


تطور الأسرة :

لكي نقف على طبيعة الأسرة والعلاقة بين أطرافها والعلاقة بين الأسرة والمجتمع لابد من توضيح التطورات المختلفة التي مرت بها الأسرة منذ الماضي وحتى الآن .

تؤكد الدراسة التحليلية لتطور الأسرة أن نظام المعاشر كان أقدم التشكيلات أو التجمعات البشرية . وكان هذا النظام بطبيعته ينطوي على ترابطات شبه أسرية من الصعب معرفة حدودها ونظامها. فلم يكن المعشر أسرة واحدة ولكنه كان مكونا من عدة خلايا أسرية. واختلفت هذه المعاشر في عدد أفرادها فقد تكون بضعة أفراد في بعض البيئات، وقد تبلغ المئات في البعض الآخر. ومهما يكن من أمر الحياة الاجتماعية داخل هذه المعاشر، فإن الترابطات شبه الأسرية التي تنطوي عليها كانت ضيقة النطاق لا تعدو الرجل وبعض النساء وأطفالهم وقامت الترابطات الأسرية في بعضها على أساس الزواج الأحادي - أي اقتصار الرجل على زوجة واحدة - وفي البعض الآخر على تعدد الزوجات. بمعنى الزواج الجمعي الذي ينقسم إلى قسمين:
أ-تعدد الزوجات : بمعنى رجل واحد له أكثر من زوجة.
ب-تعدد الأزواج : بمعنى امرأة واحدة تتزوج أكثر من رجل.

ويعترف بعض الكتاب بوجود شكل آخر للزواج الجمعي يسمى الزواج الجماعي - أو سينو جامي Cenogamy - يقوم بمقتضاه مجموعة من الرجال بالزواج من عدد من النساء.

ولعل أول شكل اتفق علماء الاجتماع في ظهوره على مسرح الحياة الاجتماعية كان ذا طبيعة دينية وعائلية في آن واحد. وقد أطلقوا على هذا النوع اسم العشيرة Leclan، فلم يكن لديهم فرق بين أسرة وعشيرة. وكان جميع أفراد العشيرة الواحدة يرتبط بعضهم ببعض برابطة قرابة متحددة الدرجة، ولم تكن هذه الرابطة قائمة على صلات الدم، كما هو الشأن في المجتمعات الحديثة في الوقت الحاضر. وإنما كانت قائمة على أساس انتماء الأفراد لتوتم واحد Totem. والتوتم عبارة عن نوع من الحيوان أو النبات تتخذه العشيرة رمزا لها ولقبا لجميع أفرادها، وتعتقد أنها تؤلف معه وحدة اجتماعية، وتنزله وتنزل الأمور التي ترمز إليه منزلة التقديس. فانتماء مجموعة من الأفراد لتوتم واحد يجعلهم أفراد أسرة واحدة ، ويربط بعضهم ببعض برابطة قرابة متحدة في درجتها وقوتها، أيا كانت صلتهم ببعض من ناحية القرابة الطبيعية. فلم تكن درجة القرابة التي تربطه بأي فرد آخر من أفراد عشيرته بل لقد كان يعتبر أجنبيا عن احد أبويه أو عن كليهما إذا قضت النظم المتبعة بانتمائه إلى عشيرة أخرى غير عشيرة إحداهما أو غير عشيرتهما.

وكانت العشيرة بهذا الشكل عبارة عن مجتمع عائلي حيث تتألف من أناس يعتبرون أنفسهم منحدرين من أصل واحد وان كانت تتميز عن غيرها من الأنواع حيث ان القرابة فيها تقوم على التوأم. وكان الطفل في الغالب يعتنق توتم أمه ومن هنا كانت القرابة من ناحية الأم فقط، ويعزى ذلك إلى الترحال الدائم لدى القبائل وعدم استقرار الرجال في جهة واحدة. ولما كانت الأم هي وحدها التي تقوم برعاية الأولاد، فإن الأسرة البدائية كانت لهذا السبب تقوم على سيادة الأم ونسبة القرابة إليها.

وعندما تقدمت المجتمعات إلى حالة الاستقرار تطور نظام الأسرة واتخذ شكلا يغلب عليه الطابع السياسي وبذلك ظهرت سيادة الأب في النظام العائلي، وما لبثت هذه السيادة أن طغت على كل شيء. وانتهى عصر الأسرة الأمية Regime Matriarical وبدأ عصر الأسرة الأبوية Patriarical Family، وقد ظهر هذا النمط خلال الحضارتين اليونانية والرومانية عندما ظهر مايعرف باسم كبير العائلة Pater Family بسلطانه المطلق على أفراد أسرته. فكان من سلطته أن يضيف إلى أسرته من يشاء من الأفراد حتى ولم يكونوا من أصلاب العائلة ، ويلفظ منها مايشأ حتى ولو كانوا من أصلابه. فقد كانت الأسرة عندهم تنتظم جميع الأقارب من ناحية الذكور وتنتظم كذلك الأرقاء والموالي والأدعياء وهم الأفراد الذين يتبناهم رئيس الأسرة أو يدعي قرابتهم له، فيصبحون أعضاء في أسرته ويمنحون اسمها ويسمح لهم بالاشتراك في طقوسها، وكان اسم الفرد منهم لا يذكر الا مقرونا باسم أسرته. وكانت تقام طقوس خاصة حين الاعتراف بالأولاد، فيوضع الطفل على عتبة حجرة كبير العائلة فإذا ضمه إلى صدره اعتبر ذلك اعترافا ببنوته، وإذا تركه ملقى على العتبة اعتبر أجنبيا عن الأسرة مباح بيعه أو قتله. ثم أخذ نطاق الأسرة يضيق شيئا فشيئا لاسيما عندما حاربت الشرائع نظام القبول والأدعاء ودعت الى إلغاء نظام الرق وفتحت منافذ العتق والتحرر. فلم يعد من حق رب الأسرة أن يدخل في نطاقها من يشاء، بل أصبح ذلك مقصوراً على نسائه وأولاده الذين يأتون من فراش صحيح أو عن طريق التبني في الحدود التي يقرها المجتمع، وهذا هو نطاق الأسرة الزوجية الحديثة التي تعتبر أحدث أشكال النظام الأسري. إلا أننا نلاحظ أن الأسر الريفية لا تزال تحتفظ ببعض رواسب النظام القديم، إذا يدخل في نطاقها الزوج والزوجة والأولاد وزوجاتهم وأحفادهم ثم البنات مادمن عذارى. وكذلك اللاتي لم يتزوجن وغير هؤلاء من العصب وبني العمومة وذوي القربى. وتعرف هذه الأسر باسم الأسر المركبة، لأنها تنطوي على أكثر من أسرة نواة. أما في المدينة فيذهب بعض الباحثين في وصفهم لأسلوب الحياة داخلها، أنه لا يزال واضحا وبخاصة في أحياء الطبقة العاملة والمناطق المزدحمة علاوة على مدن الأكواخ والمناطق العشوائية أسلوب حياة يشابه القرية، وتوجد بالفعل عناصر التشابه،فـــ شبكات القرابة تمتد طوليا وبطريقة متوازية، ويؤدي الأعضاء خدمات متبادلة، والكبار مكانة معترف بها في البناء، المجموعة بوظيفة - باستثناء الجماعات الشاردة - ومن ثم يظهر نمط الأسرة المركبة، أما ماعدا ذلك فتظهر في المدينة أسرة زواجية بالمعنى الصحيح فلا تكاد تحوي الا الزوج والزوجة والأولاد .


Dr.Sayedghonim

السبت، 10 مايو 2014

الأسرة : التعريف، التطور، البناء (١)



مقدمة :

          ليس هناك نظام اجتماعي قيل عنه الكثير وضرب به المثل وانتقد ولم يفهم جيدا مثل نظام الأسرة Family . فالعديد من ذكرياتنا عن الطفولة وآمالنا في المستقبل تتمركز حول الأسر. فهي أهم مؤسسة اجتماعية تساعدنا على تشكيل شخصياتنا والتكيف مع البيئات المتغيرة حولنا. وبالطبع فإن هذا الدور هو الذي أضفى على الأسرة اهتماماً خاصاً، وساعد على تطورها كمؤسسة اجتماعية.

          فالأسرة هي الوحدة الأساسية في التنظيم الاجتماعي بمعنى أننا من خلالها نتطبع بعادات المجتمع. كما يجد الآباء والكبار أيضاً داخل الأسرة العديد من مصادر الرضا ويساهمون في استمرارية الحياة نفسها، وعلى الرغم من ذلك تتسبب الأسرة في خلق العديد من مشاكلنا الشخصية والاجتماعية بسبب أهميتها وشيوع روح الألفة والأسرية . ومن ثم ينظر الكثير منا إلى الأسرة على أنها تشكل أول خبراتها عن الحياة الاجتماعية في حين ينظر إليها البعض الأخر على أنها أكثر الجماعات استمرارية وبقاء. ويذهب فريق ثالث إلى أن الأسرة هي بالضرورة وحدة بيولوجية وأن مهمتها الأساسية هي التناسل وحفظ الأنواع. بينما يرى فريق رابع أن الأسرة لها طبيعة اجتماعية ثقافية، وأنها تشتق أساساً من المجتمع Society .
         أما بالنسبة لهؤلاء الذين يؤيدون النظرة البيولوجية Biological، فإن الأسرة باعتبارها جماعة متماسكة تتكون من أبوين ونسلهما، وليست متوقفة على الانسان ولكن توجد أيضاً في مجموعة الثدييات Mammals والطيور Birds ويرون أن الأسرة هي رابطة طبيعية تكونت للعناية بالصغار في فترة عدم قدرتهم على العناية بأنفسهم، وبمقارنة أطفال الجنس البشري بغيرهم من الأنواع الأخرى نجد أنهم يولدون بأعداد قليلة وبطريقة غير مستمرة ويظلون عاجزين لفترات طويلة، لذلك فإن العناية المستمرة ضرورية حتى يتسنى بقاء عدد كاف يضمن استمرار الجنس البشري. قد يكون ذلك صحيحا، ولكن الأسرة الانسانية تتميز بوجود الدساتير التي هي بلا شك اجتماعية، ووجود هذه الدساتير الاجتماعية وما تمثله من المعايير الثقافية التي تنقل عبر الأجيال المتلاحقة مع غيرها من الخصائص الإدراكية يميز الأسرة الانسانية عن غيرها مما يعرف باسم الأسرة البيولوجية الأخرى Families of other species .
         
         وعلى الرغم من أن الأسرة الانسانية ترتبط بشبكة من المؤسسات في المجتمع، فإن رابطها الأقوى يكون بالزواج Marriage الذي ينظم العلاقات بين الأفراد ويعطيها طابعا رسميا، ومن ثم يكون للزواج أهمية بالغة لفكرة الأسرة في كل المجتمعات. حيث يرى وستر مارك Wester Marck أن الزواج هو علاقة رجل أو أكثر مع امرأة أو أكثر تقرها القوانين أو العادات وتشتمل على حقوق وواجبات في حال الطرفين المشتركين وكذلك في حالة أطفالهما. ويصور لنا تعريف وستر مارك الزواج على أنه اجتماعي بحت ومميز تماماً عن مجرد الزواج البيولوجي، ويؤكد على الخصائص التي تشكل جوهر الزواج في كل المجتمعات، وبخاصة يجب أن يقره المجتمع أولاً وأن له حقوق وواجبات ترتبط به ثانياً. لذلك فإنه يستبعد العلاقات الجنسية العارضة. وكذلك العلاقات الثابتة غير المنتظمة، أي التي لا يقرها المجتمع وذلك وذلك على الرغم من أن بعض هذه العلاقات الأخيرة يمكن أن تسمى أسر ولكن لا يمكن أن نسميها زواج .



التعريف :

        وإذا كانت الأسرة الانسانية تختلف على النحو عن بقية أنواع الأسر البيولوجية، فماهو تعريف الأسرة .

       يشير المعنى الواسع للأسرة إلى مجموعة الأفراد الذين يعتقدون فيما بينهم أنهم ينتمون إلى جماعة مستقلة داخل المجتمع، ويربطون الواحد بالآخر عن طريق روابط الدم Blood أو الزواج Marriage. ويدرجها بقية أفراد المجتمع، ويرون أن هؤلاء يرتبطون ببعضهم البعض عن طريق علاقات خاصة تجمعهم. وطبقا لبروم  L.Broom وسيليزنيك P.Selznick أن الأسرة تتوسط بين الفرد والمجتمع وتساعد الفرد على أخذ مكانته في العالم الواسع .

       على أية حال يشتمل مصطلح الأسرة في استعماله العام (أسرة النواة) Nuclear Family التي تتكون من الزوج والزوجة والأولاد فقط ولا تضم أفراد آخرين، وكذلك على بعض الجماعات مثل الزوجين اللذين لم ينجبا، والأب يعيش مع ابن واحد، غير متزوج أو أكثر من ابن، وكذلك (الأسرة الممتدة) Extended Family التي تتكون ليس فقط من الآباء والأطفال وإنما تمتد لتشمل الأقارب الآخرين الأجداد والأعمام والعمات،وكذلك أيضاً رجل كبير وزوجته (أو عدة زوجات) وأطفالهم المتزوجين وزوجاتهم وأطفالهم غير المتزوجين ويشكلون حياة اقتصادية اجتماعية تحت رئاسة الأب الأكبر أو رئيس العائلة .
     
       ولقد أصبح من الشائع في الولايات المتحدة الإشارة الى الاسرة بمصطلح النواة التي تتكون من الزوج والزوجة وأطفالهما وعادة ما يكون الزوج عاملا أما الزوجة فتمكث في المنزل. وقد أصبحت هذه النظرة متأصلة، وعلى الرغم من قلة الأسر التي توافق على هذا الوصف للأسرة النواة، علاوة على أن هذا المفهوم لم يلق قبولا في جميع أرجاء العالم. وكذلك فإن العديد من الآراء عن الزواج والأسرة لم تحظ بقبول عام، حيث تختلف باختلاف المجتمعات. ولكن الحقيقة التي يمكن أن نؤكد عليها أن الأسرة كانت الجماعة الأولية والمستمرة عبر مراحل التاريخ وبين كل شعوب العالم .

        ويؤكد كثير من علماء الاجتماع أن الزواج وثمرته من الأطفال يؤدي إلى تكوين أسرة، بمعنى أن الاتحاد الدائم المستقر بين الرجل والمرأة بصورة يقرها المجتمع هو أساس تكوين أسرة. بينما الزواج الذي لا تصاحبها ذرية لا يكون أسرة، لأن مثل هذا الزواج العقيم من السهل جداً ان ينفصل عراه . ومن ثم أخذ قانون الضمان الاجتماعي المصري بهذا الرأي حيث يعرف الأسرة بأنها مجموعة من الأفراد مكونة من زوج وزوجة وأولاد في محل إقامة واحد، أو بعض أفراد هذه المجموعة إذا كانوا في معيشة موحدة ولو تباعدت محل إقامتهم .

       إلا أننا لا نستطيع أن ندعم هذا التعريف على طول الخط حيث تنتابه كثير من نواحي القصور والضعف من أهمها أنه لا ينطبق مع الواقع الفعلي إن لم يكن في كل المجتمعات فعلى الأقل من بعضها لأن هناك العديد من الأسر العقيمة التي تستمر حياتها على الرغم من عدم إنجاب أطفال، ويؤكد الواقع الفعلي ذلك . مما جعل بعض الباحثين على سبيل المثال أوجبرن و نيمكوف W.Ogburn & Nimcoff يعرفان الأسرة بأنها رابطة اجتماعية من زوج وزوجة وأطفالهما أو بدون أطفال، أو من زوج بمفرده مع أطفاله أو زوجة بمفردها مع أطفالها. و قد تكون الأسرة أكبر من ذلك بمعنى أنها تشتمل بالاضافة إلى الأفراد السابقين أفراد آخرين الجدود والأحفاد وبعض الأقارب شريطة أن يكونوا مشتركين في معيشة واحدة مع الزوج والزوجة والأطفال أو بدونهم .

         كما تعرف الأسرة أيضاً بأنها تجمع اجتماعي قانوني لأفراد اتحدوا بروابط الزواج والقرابة أو بروابط التبني Adoption وهم في الغالب يشاركون بعضهم بعضا في منزل واحد، ويتفاعلون تفاعلا متبادلا طبقا لأدوار اجتماعية محددة تحديدا دقيقا وتدعمها ثقافة عامة .
        ويتفق كل من بيرجس ولوك E. W. Burgess & H. J. Locke مع التعريف السابق حيث عرف الأسرة في كتابهما الأسرة الذي صدر عام ١٩٥٣ بأنها مجموعة من الأشخاص ارتبطوا بروابط الزواج، الدم، الاصطفاء أو التبني مكونين حياة معيشية مستقلة، ومتفاعلة ويتقاسمون الحياة الاجتماعية كل مع الآخر ولكل من أفرادها، الزوج والزوجة الأم والأب والابن والبنت، دورا اجتماعيا خاصا به ولهم ثقافتهم المشتركة . 
         وبالرغم من المآخذ التي تؤخذ على هذا التعريف والتي توجد في ذاته فإنه أفضل كثير من تعريف كينجزلي ديفز Kingsley Davis الذي عرف الأسرة بأنها جماعة من الأشخاص الذين تقوم العلاقات بينهم على أساس قرابة العصب ويكون كل منهم بناء على ذلك صهر للآخر . ويعد هذا تعريفا ناقصا للأسرة في الغرب المعاصر حيث يمكن أن يكون الأب الشرعي وغير الشرعي هو نفس الشخص فآلتبني هناك معترف به تماماً فالشخص المتبنى له عادة نفس حقوق عضو العائلة . كما أنه في بعض المجتمعات الصغيرة ، فإن الروابط الأسرية تتطلب اعترافا لذاته كابن لأب. ومع ذلك فإن النقص الأساسي في تعريف بيرجس و لوك هو أنه ينكر الفروق الحقيقية التي توجد في بناء الأسرة مثلما هي بين بعض المجتمعات.
 
        بينما يذهب كثير من المفكرين المحدثين - وخاصة من الأمريكان - إلى إطلاق لفظة الاسرة على كل وحدة اجتماعية مكونة من شخص واحد أو مجموعة أشخاص تكفل لنفسها استقلالاً اقتصاديا منزليا سواء انطوت هذه المجموعة  على وجود نساء وأطفال أو اقتصرت على عنصر الرجال فقط .
       وفي ضوء هذه الاعتبارات يعتبر كل فرد مستقل في معيشته أسرة وكذلك مجموعة الأصدقاء الذين يعيشون معيشة منزلية واحدة، وينطبق هذا التعريف أيضاً على المؤسسات الاجتماعية التي ترعى مئات الأطفال، ويذهب البعض إلى أنه من الأفضل أن يطلق على الوحدات ذات الطابع الاقتصادي والمعيشي اسم العائلة سواء كانت مرتكزة على القرابة أو لم تكن كذلك، أما لفظ أسرة بالمعنى العلمي الاجتماعي فيكون مقصوراً على نظم الأسرة الزوجية ومت نطوي عليه من اعتبارات متعلقة بنطاقها ومحور القرابة فيها والأشكال الزواجية التي تحددها الحقوق والواجبات المتبادلة بين عناصرها .

        يتضح من هذا العرض أنه ليس هناك تعريفا واحدا متفقا عليه للأسرة، فإذا كانت الاسرة تختلف من مجتمع لآخر بل وفي المجتمع الواحد ، فقد انعكس ذلك على تعريفها شأنها في ذلك شأن معظم تعريفات علم الاجتماع بوجه عام . فمن الصعوبة ان لم يكن من المستحيل أن نعرض للعديد من التعميمات أو الأحكام العامة للأسرة ويقبله المجتمع، ولكن الرأي الوحيد الذي يمكن قبوله بدون جدل، ان كل المجتمعات تتميز بشكل معين عن بناء الأسرة التي تقوم ببعض الوظائف المحددة، وبالرغم من أن شكل البناء والطرق التي تقوم بها الأسرة لتنفيذ مهامها ومشاركتها مع غيرها من المؤسسات قد تغيرت عبر العصور ، فقد وجدت وحدة اجتماعية أساسية تسمى الأسرة ..................     من كتاب :  " دراسات أسرية " 




        Dr.sayedghonim.        

الخميس، 1 مايو 2014

علم الاجتماع الريفي : تعريفه ومجالاته : (٢)

أما عن مجالات علم الاجتماع الريفي فيمكن حصرها في مرحلتين أساسيتين ارتبطتا بنشأة علم الاجتماع الريفي وتطوره هما: 

١-المرحلة الأولى : وهي مرحلة الأزمات والكوارث السابقة على الحرب العالمية الثانية وفيها انصبت مجالات علم الاجتماع الريفي على دراسة مشكلات المجتمع الريفي لاعتبارات الخدمة الاجتماعية ، الا أن البعض كان يعالج موضوعات سوسيولوجية تقليدية كالمجتمع المحلي والتعليم والأسرة والتقسيم الطبقي والهجرة . لكنها كانت تعالج أيضاً حينما تعاني من مشكلات معينة أي أنها لم تكن تدرس دراسة أساسية ،بل لأهداف تطبيقية وعملية وكانت تستخدم مناهج وإجراءات فجة ساذجة 
٢-المرحلة الثانية : تحول اهتمامات علم الاجتماع الريفي منذ الحرب العالمية الثانية من المشكلات الاجتماعية إلى الموضوعات ذات الدلالة السوسيولوجية ليس فقط تلك الموضوعات التقليدية في تراث علم الاجتماع الريفي كالتنظيم الاجتماعي ، وإنما بدأوا يهتمون بموضوعات ذات أهمية كبرى في علم النفس الاجتماعي والاتجاهات ، والشخصية ، والطامح ، والقيم والقيادة ، والاتصال والانتشار وغير ذلك . 

في حين حدد "لورى نيلسون "  Lory Nelson مجالات اهتمام علم الاجتماع الريفي في ثلاثة أبعاد أساسية أطلق عليها العرض والطول والعمق . أما البعد الأول وتمثل في العرض ويعني أن عالم الاجتماع الريفي لا يقتصر على وصف مجالات الحياة المحلي في الجانب الأفقي فقط، بل يجب آن يتضمن كافة أشكال الاتصال والعلاقات في نطاق الحيز المكاني ، أي أنه يهتم بتلك الوظائف التي الحياة الاجتماعية للإنسان الريفي، ومن ثم يكون مجاله عريض الاتساع يتنوع بقدر تنوع صور العلاقات والاتصالات الاجتماعية المختلفة .
 في حين يركز البعد الثاني على الطول، بمعنى أنه لا يتوقف على عملية وصف وتحليل المجتمع الريفي كما هو قائم ، وإنما لابد لعالم الاجتماع الريفي أن يدرك البعد الزمني فالمجتمع نتاج فترة طويلة من التفكير والتراكم الثقافي والخبرات الماضية العديدة ، فأي مجتمع من المجتمعات ليس وليد اللحظة التي يوجد فيها، ولكنه محصلة لفترات طويلة قامت بتشكيله على النحو الذي هو عليه ، فهو نتاج عملية تطورية مستمرة ، ولذلك فعالم الاجتماع الريفي مطالب بتوضيح القوى والعوامل الداخلية والخارجية التي ساعدت على تشكيل الظواهر الاجتماعية أي التركيز على البعد التاريخي للمجتمع أصوله وعوامل التغير وأسبابها وما ينتج عنها .
بينما يتعلق البعد الثالث والأخير من مجالات علم الاجتماع الريفي في العمق ،فنحن لا نستطيع أن نفهم الحياة الكلية للجنس البشري بدون معرفة الفرد نفسه من حيث احتياجاته ودوافعه واتجاهاته . أي كل أنواع السلوك المختلفة .

وبعد أن كان مجال علم الاجتماع الريفي شبه مركز في العلاقات الاجتماعية والجماعات والمشكلات الاجتماعية، اتجه نحو التوزيع والتوسع ليضم موضوعات كثيرة يحددها "بونز" على النحو التالي :
١- أيكولوجيا القرية التي تهتم بدراسة أنماط المناطق الريفية وأنماط المسكن ومناطق التجارة والمعاملات والخدمات . 
٢-التركيب الديموجرافي أو السكاني للسكان الريفيين .
٣- طبيعة الهجرة الريفية -الحضرية وأسبابها ومصاحباتها.
٤-الفوارق الريفية-الحضرية مع التركيز على الخصائص السكانية .
٥- مستوى المعيشة داخل التدرج الاجتماعي الاقتصادي .
٦- العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع المحلي وما يحويه من جماعات اجتماعية .
٧-بناء النظم الاجتماعية كالتعليم والدين والسياسة 
٨-الأسرة والقرابة والزواج 
٩-الفروق المهنية والتدرج الاجتماعي
العلاقات الريفية الحضرية وتأثير تحضر المجتمع الريفي على مكوناته المختلفة.

بينما قام "سيويل" William Sewell بحصر مجالات اهتمام علم الاجتماع الريفي وفقا لأساس تصنيفي  ينهض على أساس نقاط التركيز الكبرى وما تنطوي عليه هذه المحاولات الكبرى من موضوعات متخصصة مع إسقاط بعض الدراسات أو ضم البعض إلى دراسات أخرى ، وقسم البحوث التي نشرت خلال تلك الفترة التي تمتد من ١٩٣٦-١٩٦٥ إلى ثلاث مراحل أو فترات فرعية تمثل كل منها عقدا من الزمان :
~ المرحلة الأولى : وتقع فيما بين عامي ١٩٣٦-١٩٤٥ وهي فترة الأزمات والكساد الاقتصادي والحرب العالمية الثانية التي ترتب عليها مشكلات عديدة عانى منها المجتمع الأمريكي وبالتالي أثرت في اهتمام المختصين 
~ وتقع المرحلة الثانية : فيما بين عامي ١٩٤٦-١٩٥٥ وهي مرحلة نقاهة النظام الاقتصادي العام والتغيرات الكبرى في الاتصال ووسائل الانتقال والميكنة والتحضر 
~ أما المرحلة الثالثة : فتقع فيما بين عامي ١٩٥٦-١٩٦٥ وهي مرحلة الاستقرار والرخاء الاقتصادي التي أثرت في المجتمع الأمريكي والزراعة المصنعة وارتفاع مستويات المعيشة والتقلص الكبير لسكان المزارع .
وبناء على تلك الفترات التي قسمها " سيويل " قام بتحديد مجالات اهتمام علم الاجتماع الريفي على النحو التالي :
أ-مجالات نالت اهتمام الباحثين خلال كل مرحلة تاريخية من المراحل الثلاث .
ب-مجالات نالت اهتمام الباحثين على مستوى العقود الثالثة . 

(أ) المجالات التي نالت اهتمام الباحثين مرتبة حسب المراحل التاريخية فقد جاءت على النحو التالي :
أولاً: في الفترة  الأولى تركز اهتمامها على الاجتماع الريفي  حسب الترتيب في  المجالات التالية :
١-دراسة التنظيم الاجتماعي بما يحتويه من موضوعات متعددة مثل المجتمع المحلي ، التعليم، الأسرة، النظرية، والتدرج الاجتماعي .
٢-الرفاهية السياسية والاجتماعية وبخاصة السياسة والتخطيط والعمل الزراعي، و مشكلات الحياة الريفية والفقر والسكان .
٣-مناهج البحث والنظرية وما يتعلق بجميع البيانات والقياس
٤- ثم جاء الاهتمام بمعدلات قليلة بعلم النفس الاجتماعي والسكان والعلم نفسه والتغير الاجتماعي .
ثانياً: تركز مجالات اهتمام علم الاجتماع الريفي في الفترة الثانية في :
١-التنظيم الاجتماعي بما يحتويه من الاهتمام بالمجتمع المحلي، والتحضر ونمو الضواحي والأطراف ، والتعليم والأسرة ، التدرج الاجتماعي، النظرية، والملكية الزراعية .
٢-الرفاهية السياسية والاجتماعية بالتركيز على الصحة والإسكان ومستوى المعيشة ومشكلات الحياة الريفية ، والعمل الزراعي . 
٣-التركيز على مناهج البحث والعمل نفسه من حيث مكانته ومستقبله ، ثم علم النفس الاجتماعي وأخيرا التغير الاجتماعي وبخاصة الانتشار والتغير التكنولوجي . 
ثالثاً: في حين مجال اهتمام علم الاجتماع الريفي في المرحلة الثالثة يختلف إلى حد كبير ، وذلك كما سبق أن أوضحنا يرجع إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية حيث جاءت مجالات الاهتمام تركز على :
١-التنظيم الاجتماعي: وبخاصة المجتمع ، والتعليم ، والتدرج الاجتماعي للمِلْكِيَّة الزراعية .
٢-بينما جاء الاهتمام بعلم النفس الاجتماعي يحتل المرتبة الثانية وبالذات التركيز على الاتجاهات والشخصية والمشاركة والقيادة والاتصال .
٣-ويحتل التغير الاجتماعي المرتبة الثالثة وبخاصة الانتشار والنمو الزراعي والتغيير التكنولوجي .
٤-ثم الاهتمام بمناهج البحث والرفاهية السياسية والاجتماعية.

(ب)أما المجالات التي نالت اهتمام علم الاجتماع الريفي على مستوى العقود الثلاثة فكانت منحصرة في دراسة التنظيم التي حظت على أكبر نسبة ٣٠.٨٪ وبخاصة التعليم والأسرة والتدرج الاجتماعي، يليها الاهتمام بعلم النفس الاجتماعي ١٣.١٪ ثم مناهج البحث ١٠.٦٪ وإن كانت الرفاهية السياسية والاجتماعية قد حظت على اهتمام كبير في الفترة الأولى والثانية بينما اختلف الحال في المرحلة الثالثة .

ثم جاء موضوع السكان بتفرعاته المختلفة كاتجاهات النمو السكاني والتركيب والتوزيع والخصوبة والوفيات والهجرة ، علما بأن موضوع السكان يعد واحدامن الموضوعات التقليدية في علم الاجتماع الريفي .أما مبحث التغير الاجتماعي فقد نشرت فيه مقالات نظرية وصفية كال تجديد والانتشار والميكنة والتنمية الاجتماعية والزراعية .
ويعني هذا التغير في مجالات علم الاجتماع الريفي أن المتخصصين فيه قد غيروا اهتماماتهم من المشكلات الاجتماعية الريفية إلى مجالات أخرى ذات أمية سوسيولوجية ، وهذا لا يعني أنهم هجروا هذه المشكلات ، ولكنهم اتجهوا إلى رؤيتها من منظور سوسيولوجي أكثر اتساعا .
وإذا كان علم الاجتماع الريفي بالمعنى الأمريكي لم يظهر في أوروبا إلا بعد الحرب العالمية الثانية ، وكان علم الاجتماع الأوروبي لم يهتم بدراسة علم الاجتماع الريفي وحتى حينما ظهر هذا العلم نتيجة العوامل سابقة الذكر ، فقد انحصر مجال اهتمام هذا العلم على دراسة مايلي :
١-الاهتمام بثقافة المجتمعات وقيمها حيث تعالج موضوعات مثل الانتشار في ضوء النظريات الكبرى للانتشار الثقافي من ناحية وفي ضوء القيم والمعايير التقليدية من ناحية أخرى  . وربما يرجع ذلك التباين في مجال الاهتمام عن المفهوم الأمريكي ، نظرا لاختلاف المجتمعات الريفية في أوروبا عنها في أمريكا فهي مجتمعات تاريخية أو تقليدية أو لها ثقافات خاصة .
٢-ركزت معظم الدراسات الأوروبية على دراسة المجتمع القروي بوصفه كلا ، دون التركيز على موضوع أو ظاهرة بعينه داخل مثل هذا المجتمع القروي، مثال اختيار القادة في القرية ، أو التقسيم الطبقي للمناطق الريفية .
٣-أخذت الدول النامية نفس الخط تقريبا في تحديدها لمجال علم الاجتماع الريفي .



     Dr.sayedghonim

علم الاجتماع الريفي تعريفه ومجالاته : (١)

هل علم الاجتماع الريفي علم مميز ، أم أنه مجرد تطبيق للمبادئ العامة لعلم الاجتماع sociology على مجال الظواهر الاجتماعية الريفية ؟ وهل يجب أن يقتصر مجال علم الاجتماع الريفي فقط على عمليات الحياة في المجتمع الريفي ، أم يجب أن يتضمن دراسة الحياة الريفية والحضرية والمقارنة بينهما  ؟  أو كما وصفه زيمرمان Zimmerman على أنه ميكانيزمات وتأثيرات الحضرية والريفية على السكان . 
نخرج من تلك التساؤلات السابقة أنه لا يوجد اتفاق عام بين المشتغلين بعلم الاجتماع الريفي سواء في تحديد مفهومه أو مجاله ، فمنهم من ضيق نطاق مجاله وفقا لتعريفه ، ومنهم من وسع من مجالات هذا العلم . الا أن مشكلة عدم الاتفاق على التعريف والمجال ليست هي السمة المميزة لعلم الاجتماع الريفي فقط ، فإن الملاحظ على علم الاجتماع في عمومه لا يجد تعريف عام يقبله الجميع ولا اتفاق أيضاً على مجاله حتى الآن بين السوسيولوجيين ، ومن ثم فإن ما ينطبق على الكل ينطبق أيضاً على الجزء . 
ولكن على الرغم من تلك الاختلافات بين علماء الاجتماع الريفي فيما يتصل بتحديد مجاله ومفهومه ، يوجد أيضاً عدد من الاتفاقات الأساسية فيما بينهم هي : 
١- يؤكد علماء الاجتماع الريفي أن الحياة الاجتماعية للمجتمع  society تنقسم الى قسمين متمايزين هما المجتمع المحلي الريفي rural community ، والمجتمع المحلي الحضريUrban community وعلى الرغم من التفاعل بينهما إلا أن كل منهما يتميز عن الآخر تميزا واضحا .
٢- تقدم الحياة الاجتماعية في الأماكن الريفية خصائص وتكنيكات خاصة بها تميزها عن الحياة الاجتماعية في الأماكن الحضرية .
٣- يجمع علماء الاجتماع الريفي أن الهدف الرئيسي لعلم الاجتماع الريفي يجب أن ينحصر في الدراسة العلمية المنظمة والشاملة للتنظيم الاجتماع الريفي ،بناؤه ووظائفه والتكنيكات الموضوعية لتقدم هذا المجتمع . وأن يكون أساس هذه الدراسة هو اكتشاف القوانين .  فإذا كان هدف كل علم حتى اليوم سواء كان علم طبيعي أو اجتماعي هو اكتشاف قوانين التطور الطبيعية أو الاجتماعية  ، فإن المهمة الأساسية لعلم الاجتماع الريفي هو اكتشاف قوانين تطور المجتمع الريفي .
في حين يعرفه البعض الآخر بأنه العلم الذي يهتم أساسا بدراسة ووصف وتحليل العلاقات القائمة بين الجماعات الانسانية التي تعيش في بيئة ريفية شأنه في ذلك شأن أي فرع أخر من فروع علم الاجتماع العام
ويمكن تعريفه بأنه الدراسة العلمية للسكان الريفيين والعلاقات القائمة بينهم ، أو بعبارات أخرى هو العلم المعني بدراسة أهل الريف 
وما تربطهم من صلات وتلك التي تربطهم وغيرهم من السكان الريفيين ........ يتبع





Dr.sayed ghonim



الأربعاء، 16 أبريل 2014

أنواع التغير ومجالاته :

كما اختلف العلماء في تعريف التغير الاجتماعي ، اختلفوا أيضاً في أنواع التغير ومجالاته .فذهب البعض إلى تقسيم الباحثون التغير الاجتماعي إلى ثلاثة أنواع أساسية هي :
١- التغير الاجتماعي المستقل :أو بمعنى آخر التغيير الاجتماعي الذي تحدده وتقريره السلطة السياسية ، أما لانه مطلوب لذاته أو لما سيترتب عليه من تداعيات مرغوب فيها .وقد ينشأ هذا النوع من التغييرفي وجود التخطيط أو غيابه ، أو التمهيد لتطبيقه ، وهناك أمثلة عديدة على هذا النوع من التغيير فعلى سبيل المثال:قواعد ملكية الأرض وحيازتها ، العلاقة بين المالك والمستأجر سواء القانون القديم ( الإصلاح الزراعي أو القانون الجديد). وهذا النوع من التغير هو تغير مقصود يستهدف احداث تغيرات في مجال أو آخر من المجالات التي أشرنا إليها .وربما يستهدف تهيئة ظروف أفضل للتخطيط أو المساعدة على نجاح خطط بعينها .
٢- التغير الاجتماعي التابع أو الضمني : ويقصد به ماقد ينتج عن التغير الاجتماعي المستقل من تداعيات قد يكون بعضها متوقعاً ، وقد يكون البعض الآخر غير متوقع ، وقد يكون بعضها مرغوبا فيه والآخر غير مرغوب فيه . كما يشتمل هذا النوع من التغير ماقد يترتب على تنفيذ السياسات أو الخطط من آثار اجتماعية ومن الأمثلة على هذا النوع من التغير ما ترتب على حركة التأميم والتوسع في القطاع العام في الستينيات من نشؤ طبقة أو فئة أو شريحة اجتماعية ذات نفوذ قوي من التكنوقراطيين والبيروقراطيين الذين عهد إليهم بتسيير الاقتصاد . كذلك أيضاً ما ترتب على نمط التخطيط العمراني والإقليمي في السبعينيات من ضخ استثمارات ضخمة لإنشاء المساكن في المدن الجديدة دون أن يصحب ذلك انتقال أعداد يعتد بها من السكان .ما ترتب على التصنيع من مشكلات بيئية كبيرة .
٣- التغير الإجتماعي التلقائي :ويظهر كمحصلة لتفاعلات القوى والمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .كما ينتج أيضاً من التشابكات المعقدة التي تزخر بها القاعدة الاقتصادية للمجتمع وبنيته الفوقية ، وكذلك الآثار التراكمية التي تحدث على المدى الطويل للتغيرات الاجتماعية التابعة والمستقلة . وهذه التغيرات تحدث سواء في وجود سياسات وخطط أو في غيابها ، حيث أن القدرة البشرية على التحكم في المجتمع لا تزال بعيدة عما يمكن أن نطلق عليه الهندسة الاجتماعية .وقد تكون هناك أوجه شبه بين التغير الاجتماعي التابع والتلقائي ، ولكن أهم ما يميز الأول عن الثاني أنه ليس من السهل تتبع المصادر المحددة للتغيرات الاجتماعية التلقائية .
بينما يرى البعض الآخر أنه يمكن تحديد أنماط التغير في أربعة أنماط أساسية تنطلق من أربعة مشكلات تواجه أي دارس للتغير الاجتماعي يمكن صياغتها في أربعة تساؤلات رئيسية هي :
أ-المشكلة الأولى :أين ينشأ التغير ؟ وفقا لتلك المشكلة يمكن تنميط التغير إلى :التغير من الداخل :أي من داخل المجتمع، والتغير من الخارج . وأبرز مثال على ذلك التغيرات التي حدثت في البلدان النامية خلال الفترات السابقة ولا تزال في معظمها تغيرات خارجية (التكنولوجيا، الغزو الثقافي......الخ). ولكننا نجب أن نضع في الاعتبار لا يمكن حصر جميع أنواع التغير في هذين النوعين فقط . ولكن التساؤل الرئيسي هل توجد فروق ذات دلالة بين التغيرات الداخلية والخارجية الأمر الذي يطرح مشكلة أخرى في هذا السياق ألا وهي :أين يبدأ التغير داخل مجتمع معين بغض النظر عن مصدره ؟ بمعنى أي النظم تتعرض للتغير أولا ؟ وتنطوي هذه  المشكلة على مشكلتين أخريين هما : مشكلة عوامل التغير ، ومشكلة الجماعات الاجتماعية التي تقود التغير ، وتؤكد الشواهد التاريخية أنه يمكن تصنيف عمليات التغير وفقا للمجالات أو الجماعات إلى اقتصادية وسياسية ودينية .....الخ .
ب-المشكلة الثانية : ماهي الظروف التي تنبثق عنها التغيرات الواسعة النطاق ؟ووفقا لهذه المشكلة يصنف التغير إلى : تغيرات واسعة النطاق ، وتغيرات محدودة النطاق . فلا يمكن بحال من الأحوال تفسير قيام الإمبراطوريات القديمة أو الدول الإقطاعية أو المجتمعات الرأسمالية الحديثة بطريقة واحدة  ، أو على أساس حكم عام واحد . وإن كان البعض يعتبر عملية التصنيع عملية خاصة من عمليات التغير يمكن من خلالها ليس فقط تنميط التغير، بل تنميط المجتمعات النامية .
ج-مأهولة معدل التغير ؟ قد يحدث التغير الاجتماعي بسرعة في بعض الفترات أو في بعض المجالات أو ببطء وربما بصورة غير ملحوظة ، كما أن معدل التغير قد يتزايد أو يتناقص . ومن ثم يمكن التمييز بين التغير التدريجي والتغير الثوري ، وهناك أمثلة عديدة على هذين النوعين من التغيرات .
د-هل يعتبر التغير الاجتماعي شيئا خاضعا للصدفة ، أم تحكمه علل محددة  ؟ أو هادفا على نحو معين ؟ ويجب أن تكون جميع مظاهر التغير الاجتماعي تقريبا تغيرات هادفة ، حيث أنها نتيجة أفعال هادفة صادرة عن أفراد معينين . غير أن هذه الأفعال يمكن أن تؤدي إلى نتائج غير مقصودة أصلا وذلك لأن الأفعال الفردية لم يتم التنسيق بينها، وأن بعضها يمكن أن يعوق الأخرى أو يشوهها .
بينما ذهب فريق ثالث إلى تقسيم أنواع التغير ثلاثة أنواع أساسية هي :
١- التغير في القيم الاجتماعية : عند الانتقال من الإقطاعي إلى النمط التجاري ، كان الفرسان ورجال الدين يمثلون قمة المجتمع في النمط الأول ، وكانت القيم السائدة مرتبطة بأخلاق هاتين الطبقتين ، وهي قيم الشجاعة والأرستقراطية والزهد ولم تحظى الوظائف الاقتصادية بالتقدير رغم أهميتها ، وكان المشتغلون بها في رتبة أقل . أما بالنسبة للنمط الثاني ، فقد كان الانتاج الاقتصادي مثل المقام الأول ، وقادة الميدان .
٢-التغير في النظم الاجتماعية :ويقصد به التغير في البناءات الاجتماعية ، كالتغير في نظام تعدد الزوجات ، ومن النظام السياسي الملكي إلى النظام الجمهوري ، ومن الحكم المطلق إلى  الحكم الجمهوري .
٣-التغير في مراكز الأشخاص :قد لا يكون تعاقب الأشخاص في مراكز اجتماعية عالية تغير بنائي ، ولكنه يؤدي في ظروف معينة إلى تغير بنائي .
ويقسم بعض العلماء أنواع التغير من زاوية أخرى مع اختلاف آرائهم في ذلك ويرون أن التغير ينقسم إلى أربعة أنواع هي :
١-فيرى البعض أن التغير قد يكون تراجعيا أو نكوصيا ، أي نوع من التدهور أو الانحطاط والتأخر من حالة الكمال إلى أدنى منها .
٢- أن التغير يكون ارتقائيا تقدميا ، وقد ظهر هذا الاتجاه في القرن التاسع عشر ويربطون بين التغير والتقدم فالتغير في كل الظروف هو تقدمي .
٣-ويرى أنصاره أن التغير يسير في اتجاه دائري ، والمجتمع في رأيهم يمر يمر بنفس المراحل التي يمر بها الانسان الانسان من الميلاد إلى الطفولة إلى البلوغ إلى النضج والاكتمال ثم الشيخوخة ، وينتهي الأمر بالموت .
٤-أن التغير يسير في اتجاه تذبذبي أي يتقدم المجتمع ثم ينتكس ثم يعود فينتقدم في غير نظام 
ومن ثم يؤكد معظم  الباحثين أن للتغير مجالات عديدة يمكن حصرها في عدة مجالات أساسية هي :
١- مجال البنية الطبقية وما يتصل بها من عمليات للحراك الطبقي : أي تغير الأوزان النسبية للطبقات المختلفة وصعود وبروز طبقات ، وتراجع وانكماش أخرى من حيث القوة الاقتصادية والنفوذ السياسي .
٢-مجال توزيع الدخل والثروة : وكذلك توزيع ملكية الأصول الإنتاجية بين القطاعين العام والخاص ، وتوزيعها أيضاً بين المواطنين والأجانب ، وهو أمر وثيق الصلة بالتغير في النظام الاقتصادي .
٣-مجال الأسرة : وبخاصة وضع المرأة والشباب .
٤-مجال السكان والتشغيل والبطالة وما يترتب عليه في المجتمع ، والزيادة السكانية .
٥-مجال التعليم والإعلام والثقافية .
٦-مجال العمران : واستصلاح الأراضي وإقامة مستوطنات بشرية جديدة .
٧- مجال الاستقرار الاجتماعي والتمتع بالأمان .
٨- مجال العمل الأهلي ومايؤدي إليه من علاقات تضامنية بين الأفراد والجماعات أو دعم نفوذ فئات أو شرائح اجتماعية معينة .
٩-مجال المشاركة في صنع واتخاذ القرار، وما يتيحه من فرص متكافئة للطبقات أو الفئات الاجتماعية المختلفة والتأثير في السياسات العامة والخطط التنموية المختلفة .
١٠-مجال دعم مستوى معيشة طبقات أو فئات اجتماعية معينة من دعم وإسكان ومرافق وخدمات والضمان ......إلخ .
وفي واقع الأمر يجب أن نضع في الاعتبار أن هناك مجال آخر أكثر أهمية وصعوبة ويجب ألا نتغافله وهو علاقة المجتمع بالمجتمعات الأخرى ، والذي يثير غالبا قضية التبعية بكل ما تشتمل عليه الكلمة من معانٍ  .


Dr.sayed ghonim

الأربعاء، 26 مارس 2014

نشأة علم الاجتماع الريفي وتطوره :

  إن نشأة علم الاجتماع الريفي rural social أو مايطلق عليه علم قوانين تطور المجتمع الريفي ، هي نشأة حديثة جداً ترجع إلى العصر الحديث . إلا أن فكرة المجتمع الريفي قعقشم سخؤهفغ هي فكرة قديمة قدم المجتمع الريفي ذاته . وقد ظلت مجموعة المعارف والحقائق العلمية  التي تم جمعها عن المجتمع الريفي لفترة طويلة من الزمن تدخل ضمن نطاق المعارف والحقائق اتي تشملها عوامل اجتماعية أخرى وذلك لتنوع ثقافات واهتمامات ومجالات نشاط المهتمين بالدراسات الريفية من جغرافيين واقتصاديين وسياسيين وعلماء اجتماع وغيهم ، ونظرة كل منهم إلى المسائل الريفية من زاوية اهتمامه الخاصة .


  ففي الماضي قام المفكرون الاجتماعيون بمحاولات عديدة لفهم عمليات الحياة في المجتمع الريفي ، وتقديم الحلول للمشكلات التي ظهرت في مجتمعاتهم . كما ظهرت في العهود السابقة المسوح الشاملة التي تعبر عن وجهات نظر لبعض المفكرين البارزين الذين ينتمون لأقطار مختلفة ، توضح الحياة الريفية وتغيرها طبقا لتغير المجتمع الريفي وتطوره عبر مراحل مختلفة .


 وفي منتصف القرن التاسع عشر تقدمت الملاحظات المنظمة systematic observation عن أصل المجتمع الريفي والتحولات التي طرأت عليه . كما أدى تأثير الحضارة الصناعية الرأسمالية ، وبخاصة على الاقتصاد الريفي والبناء الاجتماعي - في الأجزاء المختلفة من العالم - إلى جذب انتباه الدارسين والباحثين لدراسة اتجاهات التطور الاجتماعي الريفي . فأصبح البحث في موضوع أصل وطبيعة المجتمعات المحلية القروية يخضع للتحولات التي طرأت على تلك المجتمعات .


  ومن ثم يعتبر كل من ألوفشن Olufsen ومورير maurer وماين وهكسوسن Hexthauausen وجيرك Gierk والتون Elton وسيتمان Stemann واينو Innes وآخرون غيرهم من أهم الدراسين البارزين الذين ألقوا الضوء على المجتمع الريفي من وجهات نظر مختلفة . كما ظهرت فيما بعد في العديد من الأقطار اهتمام الأساتذة والدارسين بظواهر الحياة من جوانبها المختلفة .


  ومع ذلك فإن علم الاجتماع الريفي كنظام واع محدد ومتطور ، ترجع أصوله إلى فترات حديثة . ولأسباب تاريخية نشأ هذا العلم في الولايات المتحدة الأمريكية وأخذ ينتشر منها ببطء إلى أماكن أخرى . فأثناء مايطلق عليه في المجتمع الريفي (بفترة الاستغلال) Exploiter Period 1890 - 1920 ، وهي الفترة التي شهد فيها المجتمع الأمريكي فسادا كبيرا ، ومن ثم توجه الاهتمام إلى دراسة المجتمع المحلي الريفي ، فأخذ التراث الهام يصف ويحلل ارتفاع المشاكل ونمو الأزمة بصورة كبيرة ، ومع ذلك لم يستطع هذا التراث اكتشاف وتحديد ، بل وصياغة القوانين الأساسية التي تحكم تطور المجتمع الريفي ، ولكنه مازال غير قادر على خلق هذا العلم بصورة مكتملة . 

لذلك فإن بداية علم الاجتماع الريفي ترجع إلى تدفق هذه المنشورات والتي يمكن تمييزها في ثلاثة منشورات أساسية هي :1-يمثل تقرير الرئيس الأمريكي ثيودور روزفيلت Roodevelt عن الحياة الريفية عام 1907 أول عمل ذا قيمة في هذا الموضوع ، حيث ذهب الرئيس الأمريكي إلى القول بأن نمو وازدهار الثروة والمدنية لا يقلل من شأن المجتمع الريفي الذي له أهمية كبيرة في المجتمع . ومن ثم قام بتكوين فريق أو لجنة لبحث ودراسة المجتمع الريفي . وأكدت لجنة البحث أن المشكلة الأساسية تتمثل في الحفاظ على المجتمع الريفي على ماهو عليه الآن ، بمعنى وقف التدهور المستمر في المجتمع الريفي ، ثم محاولة تطويره من أجل بناء مجتمع ريفي أفضل ، عن طريقزيادة إنتاجية الأرض الزراعية وتطور الحياة الريفية لإقامة مجتمع ريفي واعي
 لقد قامت لجنة بحث الحياة الريفية The Country life Commission برئاسة دين بايلي Dean Baliey - العالم المهتم بدراسة المشاكل الريفية - بنشر 500,000 استفتاء للفلاحين وقادة الحياة الريفية ، علاوة على الاجتماعات ، تسلم منها حوالي 100,000 جواب ، وعلى أساس هذا البحث نشرت اللجنة تقريرا حاولت فيه تحليل وتشخيص الخلل والتشوه الذي أصاب المجتمع الريفي . وتوصلت اللجنة إلى أن هناك خمسة أشياء ضارة بالمجتمع الريفي هي :
1- عدم وجود معاهد علمية متخصصة وكافية 
2- عدم وجود وسائل نقل كافية 
3- ليست هناك وسائل اتصال كافية
4- نقص في رؤوس الأموال 
5- ليست هناك منظمات خاصة لسكان الريف أو الفلاحين .
وفي الواقع يعد هذا التقرير مايمكن أن نطلق عليه دستور علم الاجتماع الريفي .


2- الدرجات العلمية ، حيث اعتمدت عدد من درجات الدكتوراه على دراسة المجتمع المحلي الريفي ، وتضمنت تراث هام يتناول مشكلات الحياة الريفية ، علاوة على أبحاث سوء التكيف في الحياة الريفية التي قام بها أفراد الطائفة الريفية Rural Church .


3- الدراسات المدرسية School studies التي تمثل التيار الثالث من هذه المنشورات . حيث تعد كل من جيمس وليامز J.M.Williams عن "المدينة الأمريكية" An American Town  ودراسة وران ويلسون Newell L.Sime عن "A Hoosier Village" من أهم الدراسات عن المجتمع المحلي الريفي الأمريكي.


لقد اعتمدت هذه الدراسات على بيانات احصائية وتاريخية ، وتكنيكات المقابلة وتعد وثائق بحثية لجامعة كولومبيا Columbia فيما بين عامي 1906-1912 . كما اهتم ويلسون Wilson مع غيره من الباحثين بعمليات الحياة الريفية . وعلى أي حال تشكل هذه الدراسات معا مع بعض الدراسات المدرسية الريفية ، والتشريح الاجتماعي Social Anatomy للمجتمعات المحلية الزراعية - التي قام "جالبن" في مركز الاختبارات الزراعية بجامعة Wiscoconsim وركزت على البحث في الحياة الريفية - إضافة أساسية لتراث علم الاجتماع الريفي حتى عام 1916 .


ويعد كتاب جون جيلتي Hohon M. Gillitte  الذي نشر في عام 1916 بعنوان "علم الاجتماع الريفي" أول كتاب مدرس في هذا الموضوع . وبعد صدور هذا الكتاب كرس عدد من الكتاب أنفسهم لدراسة الحياة الريفية ونشرت أعمال قيمة تثري هذا الموضوع وتهتم بدراسة تغير المجتمع الريفي وأظهرت تلك الدراسات المشكلات التي يعاني منها المجتمع الريفي منها على سبيل المثال المشكلات الناجمة عن :
1- الايجار 
2- مستويات المعيشة واختلافها من طبقة إلى أخرى 
3- التنظيم الريفي والخدمات الريفية .
وتوالت فيما بعد الاهتمامات بالمجتمع الريفي وتطويره والتغلب على تلك المشكلات .


كما كان لنشر كتاب "الأساس التصنيفي لعلم الاجتماع الريفي" في عام 1930 اسهام هام بل وحاسم في تقدم علم الاجتماع الريفي . ومن ثم يعد سوروكين Sorokin وزيمرمان Zimmermann ، وجالبن Galpin ، و تايلور Taylor ، وكولب Kolb ، وبرونز Brunner ، وسيمز Sims  ، وساندرسون Sanerson ، ولانديس Land is ، وريدفيلد Red field ، وسميث Smith من أبرز المفكرين الاجتماعيين في الولايات المتحدة الأمريكية ، التي أدت أعمالهم الفكرية التي تقدم العلم العلم الجديد أي علم الاجتماع الريفي .
ومن العوامل التي أسهمت ايضا في تطور علم الاجتماع الريفي  ، هي تأسيس "مجلة علم الاجتماع الريفي" عام 1935 و"الجمعية الاجتماعية لعلم الاجتماع الريفي" عام 1937 ، اللتين كانتا بمثابة العلامة البارزة  في نمو هذا العلم . هذا فضلا عن الدور الكبير الذي قامت به الولايات المتحدة في إثراء وتقدم علم الاجتماع الريفي حيث قامت  بتجميع وتنظيم الدراسات المختلفة عن طريق منظمات متعددة مثل "اليونو" و "اليونسكو" و "الفاو" وغيرها من المنظمات مما أسهم في سرعة نمو وتطور هذا العلم وانتشاره في الأقطار المختلفة .


ومن ثم أخذ علم الاجتماع الريفي بالمعنى الأمريكي في الانتشار في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية . وربما يرجع  تأخر ظهور علم الاجتماع الريفي بالمفهوم الأمريكي في أوروبا حتى هذه المرحلة المتأخرة إلى انقطاع الصلة بين دراس الجتماع الأوروبيين والأمريكيين قبل الحرب حيث ظل علماء الاجتماع في أوروبا على غير علم  بما يجري عليه هذا العلم في أمريكا . ولم يكن علماء الاجتماع الأوروبيين - باستثناء أفراد قلة - واعين بأن الأمريكيين ، بجمعهم الحاذق للبيانات ، واستخدام وسائل العمل الميداني ، ومعالجتهم الماهرة لهذه البيانات بواسطة الأساليب الاحصائية ، لم يكونوا واعين بأن هؤلاء يقدمون نموذجا جديدا للبحث سوف يغير وجه علم الاجتماع تغييرا هاما . ويضاف إلى ذلك أن المناخ السياسي الذي ساد أوروبا في هذه الفترة لم يعق نمو علم الاجتماع الريفي في أوروبا فقط ، وإنما أوقف تقدم علم الاجتماع العام ونموه كذلك فتوقف إسهامات ايطاليا "باريتو" تحت الحكم الفاشي ، وتوقف إسهامات ألمانيا "ماكس فيبر" تحت الحكم النازي .


إلا أننا حينما نقول علم الاجتماع الريفي ، بالمعنى الأمريكي ، لم يعرف في أوروبا إلا متاخرا فإن ذلك لا يعني أن لم تكن هناك معرفة منظمة بالحياة الريفية ، أو إن مثل هذه المعرفة كانت مفتقدة تماما . فقد ظهرت تلك المعرفة العلمية بالحياة الريفية ولكن تحت نطاق فروع أخرى مثل الجغرافيا البشرية (في فرنسا) التي اهتمت بدراسة الحياة الريفية ، وكذلك السياسة الزراعية (في ألمانيا) وأجريت عدة دراسات في هولنده عن المناطق الريفية للحصول على درجة الدكتوراه . كما كانت هناك تقارير وصفية عن الحياة الريفية نشرت هنا وهناك وهي تعد الآن بمثاببة وثائق في غاية الأهمية عن التاريخ الريفي .


لكن هذه الظروف قد تغيرت بعد الحرب العالمية الثانية حيث حدث اتصال وثيق بين العلماء الأوروبيين والأمريكيين ، وأغرقت المؤلفات  الاجتماعية الأوروبية العلمية بما في ذلك منشورات علم الاجتماع الريفي ، وأحاط الأوروبيون علما بهذا الوضع الجديد لعلم الاجتماع وترتب على هذا الاتصال أن بدأ العلماء الأوروبيون يعيدون  النظر في الوضع الأكاديمي لعلم الاجتماع . وقد ساعد هذا التكامل بين التصور الأوروبي لعلم الاجتماع والتصور الأمريكي له على نمو "علم الاجتماع الريفي" مضاف إلى ذلك ظهور مشكلات جديدة في النطاق الاجتماعي . وتغيرت نظرة الحاكم والمحليين والمخططين وواضعي السياسة إلى علم الاجتماع مما ترتب عليه الوعي بأهمية المعرفة المنظمة في حل هذه المشكلات ومعالجتها . إلا أن التيار الأوروبي يختلف في بعض جوانبه عنه في الولايات المتحدة فهو أي الأوروبي مازال يهتم بثقافة المجتمعات الريفية وقيمها اهتماما كبيرا حيث تعالج موضوعات مثل الانشار .


ولم تتوقف المجتمعات الأوروبية على  "تيار علم الاجتماع الريفي" بالمفهوم الأمريكي ، بل بدأت تظهر دراسات ريفية أخرى قام بإجرائها متخصصون في علم الاجتماع العام والانثربولوجيا الاجتماعية في أوروبا من ناحية ، وأن هناك مدارس علمية نمت في بعض الجامعات الأوروبية وقادة حركة الدراسة العلمية للمجتمع القروي في مختلف أنحاء العالم وبخاصة في الدول النامية من ناحية أخرى .


                                                                                                        Dr.sayed gonim                 

الاثنين، 6 يناير 2014

مفهوم التغير الاجتماعي :




لقد حظي موضوع التغير الاجتماعي على اهتمام الفلاسفة والعلماء والباحثين على اختلاف تخصصاتهم ، فقد عرف "هرقليطس" التغير الاجتماعي بقوله التغير هو قانون الوجود ، وأن الاستقرار موت وعدم، وشبه التغير بجريان الماء فقال:"أنت لا تنزل النهر الواحد مرتين، فإن مياه جديدة تجري من حولك". ويشهد الواقع والتاريخ على أن المجتمعات الانسانية لاتثبت على حالة واحدة دائما، شأنها شأن الأفراد ومظاهر الكون. فهي في حالة تغير مستمر لا يمكن إيقافه، وكذلك المجتمعات فهي في حالة دائمة من الحركة والتعديل والتغيير.


والتغير هو أحد الحقائق التي تميز عالم الانسان عن عالم الحيوان فالحيوانات لا تغير من نماذج وأساليب حياتها، وإذا حدث تغير طفيف فإنه لا يقارن بما يحدث في العالم الانساني، ومع ذلك فإن التغير في العالم الحيواني إنما هو تغير بيولوجي فقط، والانسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يستطيع فقط أن يتكيف مع بيئته وإنما يستطيع أن يخلق بيئة جديدة. التغير الاجتماعي إذن حقيقة واقعة، والاختلاف هو في معدل سرعته من مجتمع إلى آخر، فقد يكون سريعا في مجتمع، وبطبئا في آخر، ولكنه موجود وقائم فعلا وانعدامه شيء مستحيل. انه سمة أساسية من سمات الحياة الاجتماعية حدث ومازال يحدث منذ فجر التاريخ وحتى وقتنا الحاضر.


في حين ذهب "جون ديوي" إلى القول: إذا كانت الحركة هي الحقيقة االفيزيقية الأولى - كذلك فإن التغير حقيقة اجتماعية. أما "أوجست كونت" فقد تعرض لموضوع التغير عندما تحدث عن الفرق بين الاستاتيكا الاجتماعية والديناميكا الاجتماعية. فالأولى (الإستاتيكا) هي دراسة المجتمعات في حالة استقرارها - أي دراسة المجتمع خلال فترة زمنية معينة من تاريخه. إما الديناميكا الاجتماعية، فهي دراسة قوانين الحركة الاجتماعية والسير الآلي للمجتمعات الانسانية والكشف عن مدى التقدم الذي تخطوه.


وبالرغم من مراحل التطور التي مر بها علم الاجتماع منذ نشأته حتى الآن فمازال موضوع التغير الاجتماعي social change من حيث التعريف والأسباب مصدرا لعدم الاتفاق بين علماء الاجتماع نتيجة لاختلاف أرائهم وتعدد انتماءاتهم. الأمر الذي انعكس بصورة واضحة حتى على مستوى تحديد ماهو المقصود بالتغير الاجتماعي، فمنهم من وسع من نطاق المفهوم، ومنهم من اختزله بطريقة افقدته مضمونه ومعناه. ولكن على الرغم من ذلك لا نستطيع بحال من الأحوال أن نقلل من شأنهم أو نتجاهل دورهم فهم الذين كان لهم السبق في هذا المجال ولفتوا الأنظار إلى أهميته ودوره في المجتمع. ومن ثم سوف نعرض لبعض تلك التعريفات حتى نستطيع الوقوف على حقيقة مفهوم التغير الاجتماعي.


يؤكد البعض إن التغير الاجتماعي هو تغير ذو معنى هام في البناء الاجتماعي والثقافة. ومن ثم يجب فهم المقصود بالبناء الاجتماعي والثقافي من أجل فهم التغير الاجتماعي. فمقهوم البناء الاجتماعي يعني شبكة العلاقات الاجتماعية التي يتم التفاعل فيها بين الأفراد بحيث تصبح شبكة روتينية أو مكررة. أما على المستوى النظري المجرد فيمكن النظر إلى البناء الاجتماعي على أنه أدوار اجتماعية مستمرة، والمجموعات والتنظيمات والمؤسسات والمجتمعات.
ولكن يجب ألا نركز فقط على الجوانب البنائية، بل لابد من ربطها بالجوانب الثقافية حيث أن الفصل بينهما إنما هو فصل تعسفي ولايمكن حدوثه في الواقع الاجتماعي فإذا كان البناء الاجتماعي هو شبكة العلاقات التي يعيش فيها الناس، فإن الثقافة هي طريقة العيش التي تتضمن اللغة والرموز والمعرفة والمعتقدات والقيم والمعايير ومن ثم فإن أي تغير سواء في البناء أو الوظيفة سوف يؤدي إلى التغير الاجتماعي أي تقديم الصورة الكاملة للتغيير، حيث يجب أن نهتم بالعوامل البنائية مثل السكان، الأسرة، حجم التنظيمات وتعقيداتها، وكذلك أيضا كيف يواصلون التغير في الثقافة.


يرى فريق من الباحثين أن التغير change يعني اختلاف ما بين الحالة الجديدة والحالة القديمة، أو اختلاف الشيء عما كان عليه خلال فترة زمنية محددة وحينما تضاف كلمة الاجتماعي social التي تعني ما يتعلق بالمجتمع فيصبح التغيير الاجتماعي هو التحول الذي يطرأ على البناء الاجتماعي في الوظائف والقيم والأدوار الاجتماعية خلال فترة محددة من الزمن.


وقد يكون هذا التغير ايجابيا أي تقدما وقد يكون سلبيا أي تخلفا. أي ليس هناك من اتجاه محدد للتغير الاجتماعي يدل على العملية التي تحدث من خلالها تغيرات جوهرية في البنيان الاجتماعي والمهام الخاصة بالأجهزة الاجتماعية. ويقصد بالبنيان الاجتماعي تلك التغيرات التي تحدث في أنماط التفاعل بين الأفراد والعلاقات الاجتماعية بينهم والتي تحكمها المعايير الاجتماعية من ناحية، ونظام الثواب والعقاب أي الدافع والرادع من ناحية أخرى. أما التغير في المهام الخاصة بالأجهزة الاجتماعية فهي تلك التغيرات الخاصة بوظائف العناصر المكونة لهذه الأجهزة مثل دور العبادة والأسرة، التعليم، الصحة، المؤسسات السياسية والاقتصادية والقانونية والإعلامية. وعليه فإن التغير الاجتماعي من حيث القيم والمعايير، والانتاج الثقافي الرمزي (المعنوي) والمادي .


وربما جاء تعريف "رادكليف براون" أقرب إلى تلك التعريفات حيث ذهب إلى القول إن لفظ التغير change والأكثر دقة منه لفظ عملية process- لفظ غامض فيما يتعلق بالمجتمعات البدائية - حين نشاهد حفل زواج والنتائج المترتبة المترتبة عليه، فهناك رجل وامرأة ارتبطا منذ الاحتفال بزواجهم بعلاقة زواجية، ومن الواضح هنا إننا أمام تغير change أو عملية process، هناك تغير حدث في البناء الاجتماعي. أما النوع الاخر من التغير، فيقع في المجتمع إما نتيجة عوامل تأتي من الخارج "كالاحتكاك الثقافي" ومهما كان التغيير كبيرا أو طفيفا، فإن المجتمع يمر من حالة معينة للبناء الاجتماعي إلى حالة أخرى جديدة.
ويذهب فريق ثاني إلى القول بأن التغير الاجتماعي هو بمثابة عملية انتقاء وتأقلم بيولوجية، وأنه عبارة عن عملية تقدم من الأشكال البسيطة إلى الأشكال المعقدة.

 بينما يرى فريق ثالث أن التغير ظاهرة مكررة دائمة الحدوث، وأن تأثيراته قد أصبحت واسعة النطاق بفضل التطورات التي طرأت على وسائل الاتصال، وأن التفاعل بين طوقين أو أكثر شرط أساسي لحدوث التغير.

في حين يرى فريق رابع على مفهوم التغير الاجتماعي بمعناه الشامل فذهبوا إلى القول بأنه هو العلملية التحويلية في النظم الاجتماعية، وتحتوي هذه النظم أنماط الفعل والتفاعل وماينتجه من معايير - قواعد السلوك - وقيم وثقافة الرموز. فهو معنى أدق التعديلات التي تحدث في شتى أنواع الحياة في مجتمع ما أو شعب من الشعوب كنتيجة لعوامل كثيرة متعددة في فترة زمنية محددة.

وعلى الرغم من كل الاختلافات السابقة بين العلماء والباحثين يمكننا تعريف التغير الاجتماعي، بأنه عملية حركية اضطرارية مستمرة متتابعة. بمعنى الاختلافات والتعديلات التي تطرأ على أنماط العلاقات الاجتماعية كالسلوك الاجتماعي، وطبيعة ومضمون وبناء الجماعات والنظم خلال فترة معينة من الزمن وبحيث يمكن ملاحظتها وتقديرها، ويحدث نتيجة عدة عوامل متداخلة ومتشابكة ويؤثر بعضها في بعض. ومن ثم لا يأخذ صورة واحدة فهو ذو أنماط ومستويات مختلفة .