الأربعاء، 4 ديسمبر 2013

العولمة والتغيرات الثقافية :



وبرغم انطلاق حركة العولمة بشكل اقتصادي ، الا أن الانعكاسات والامتدادات الاجتماعية والثقافية أصبحت واضحة ولا يمكن التغاضي عنها  أو إغفالها وقد أخذت بعدا جديدا وحجما كبيرا منذ مطلع العقد الأخير من القرن العشرين ، مع التطورات السياسية العالمية من ناحية ، وانتشار ثورة الاتصالات والمعلومات من ناحية أخرى ، مع ما يرافق ذلك من فرص وتحديات وتداعيات تعتمد في طبيعتهاروآثارها على قدرة المجتمعات على التعامل مع كل هذه التطورات .


وتمثل نظرية صراع الحضارات المقاربة السلبية والنهج المتشائم لتقييم البعد الثقافي لحركة العوملة ، وهو التقييم الذي يحكم على الامتدادات الثقافية للعولمة بعدوانية والاستعلاء والعنصرية . وعلى الرغم من مغذى هذه النظرية وما يمكن أن يدعمها من قوى اقتصادية وسياسية وعسكرية ، فإنها لا تخلو مع ذلك من نقاط ضعف كثيرة تثير التساؤلات حول مصداقيتها ، ليس أقلها أهمية أن دوافع صاحبها ذات أبعاد سياسية واستراتيجية وأمنية أكثر منها فكرية وبحثية واستشرافية ، وأنها انبثقت من بيئة لا تستطيع  المزايدة بالعراقة الثقافية قياسا ببعض الثقافات العالمية . وقد برز مقابل ذلك نظريات أخرى تطرح مفهوم "حوار الثقافات" وهو مفهوم يؤدي بالنتيجة إلى تعظيم المردود الثقافي الإنساني عن طريق قبول الآخر والتفاعل معه . وإذا كان مفهوم " الندية " بين الدول الغنية والفقيرة غير ذي وزن أو مغزى من الناحية العملية في عالم الاقتصاد والسياسة والقوة العسكرية، فإن وزنه ومغزاه لا يمكن إغفالها أو التغاضي عنهما في عالم الثقافة . وقد يكون إنشاء برلمان الثقافات في مطلع القرن الحادي والعشرين في " أنقرة " بتركيا ذات مغزى في هذا المجال ، وتعبيرا عن الحاجة إلى ترسيخ مفهوم الندية ، وهو المفهوم الذي تلاشى أو كاد في معظم المجالات الأخرى .


ولكن على الرغم من ذلك تحاول الدول المتقدمة في الفترات الحديثة من خلال العولمة أن تعيد إنتاج هيمنة الدول الكبرى القديمة ، وتقديمه في صورة جديدة ، عن طريق مؤسسات دولية مستحدثة ، وتأتي العولمة الثاقفية من خلال خلق ثقافة عالمية عن طريق توحيد الآراء في المسائل العالمية ، وفرض أذواق جديدة واحدة ، وسوق استهلاكية عالمية ، تغير من العادات المحلية و تنزع بالناس إلى العالمية في الفكر والسلوك .
إن أهم مايميز مطلع القرن الواحد والعشرين هو تزايد الهيمنة الثقافية وما تشكله من غرهاب ثقافي حضاري يتعارض مع طبيعة الإنسان. وذلك أن عملية التفكيك التي تتم في إطار الهيمنة الثقافية تهدد كيان الفرد والمجتمع ، بل وتشكل خطرا على الإنسانية جمعاء . فثقافة الهيمنة تسعى على تفكيك الفرد من أسرته وأمته ، ومن بيته باسم الفرد مرة ، والحرية الشخصية مرة ثانية ، والحداثة والتطوير مرة ثالثة ، وتحرير المرأة مرة رابعة ، وأخيرا باسم تحرير الشعوب . وهذا كله يصور لنا على أنه نتاج حضارة إنسانية عامة يلتزم الجميع بها باعتبارها استجابة لنوازع طبيعية في الإنسان ، ومن ثم فإن انتشارها حتمي ولابد من الخضوع لها .


وقد جاءت العوملة بما تحمله من تقنيات حديثة وأسلحة متعددة
 لتلعب دورا محوريا في عملية التغيير الثقافي وكان من أبرز ملامح هذا التغيير :

1- الاتجاه نحو صياغة ثقافة عالمية : إن العالم اليوم يتجه نحو إقامة ثقافة تتناسب والهيمنة الاقتصادية والسياسية وما تتطلبه من معايير ، أهمها نشر ثقافة السوق وفتح البلدان في وجه الثقافة الغربية وما تحمله من تقانة . حيث تسعى هذه الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة نحو دمج العالم كله في ثقافة واحدة هي الثقافة الغربية الليبرالية ونشر قيمها ومعاييرها . و تسعى الدول المهيمنة إلى تنميط جميع ثقافات العالم وإدخالها في إطارها الخاص يساعدها في ذلك وسائلها القوية التي لم تتوافر من قبل . وهي ثقافة تسلطية نتيجة شعورها بالقوة واستغلالها السياسي وتوافر وسائل الهيمنة ، ولذلك فهي الجزأ المكمل للاستعمار الحديث . وعلى رأسها الولايات المتحدة نحو دمج العالم كله في ثقافة واحدة هي الثقافية الغربية الليبرالية ونشر قيمها ومعاييرها . وتسعى الدول المهيمنة إلى تنميط جميع ثقافات العالم وإدخالها في إطارها الخاص يساعدها في ذلك وسائلها القوية التي لم تتوافر من قبل . وهي ثقافة تسلطية نتيجة شعورها بالقوة واستغلالها السياسي وتوافر وسائل الهيمنة ، ولذلك فهي الجزء المكمل للاستعمار الحديث .


ولقد كان أول ضحية للعولمة الرأسمالي أكثر من 5000 أمة فقدت لغتها وثقافتها وأرضها ومواردها وأدمجت قسرا في حياة لا توافق عليها ولا ترغب بها ، ويقدر عدد قتلى الصراعات بين الأمم والدول في ال 50 سنة الفائتة بخمسة ملايين نسمة ، وأكثر من 15 مليون لاجئ ، وأرغم أكثر من 50 مليونا على ترك مواطنهم وأصبحوا مشردين داخل دولهم وأوطانهم .


وجاءت مكونات تلك الثقافة الأمريكية المهيمنة – كما حللها بعض الباحثين الأمريكيين – على جل الثقافات في العالم ، تقوم على خمسة افتراضات أساسية هي :
الافتراض الأول : وهو الفردية التي ترمي إلى إلغاء الطبقة والأمة كإطار اجتماعي .
الافتراض الثاني : وهو الخيار الشخصي الذي يكرس نوعا من السلوك الأناني ويلغي مبدأ التعاون ز
الافتراض الثاللث : وهو الحياد ، بمعنى أن الفرد يعيش محايدا والآخرين المحيطين به كذلك ، مما يؤدي إلى انعدام التزامه بأي قضية جماعية وطنية أو قومية أو أخلاقية .
الافتراض الرابع : وهو الاعتقاد بأن الطبيعة البشرية لا تتغير ، فيها الغني والفقير والأبيض والأسود والقوي والضعيف ، وهي أمور طبيعية كالليل والنهار .
الافتراض الخامس : غياب الصراع الاجتماعي كأداة للتغير يؤدي إلى الاستسلام للشركات المستغلة ، واقليات متسلطة ، وغياب التغير المبني على الصراع الاجتماعي .


2- الاتجاه نحو نشر ثقافة الاختراق : وكان من أبرز جوانب التغيير التي تقوم بها العولمة هي اختراق ثقافة الشعوب وسلب خصوصيتها ، عن طريق السيطرة على الإدراك بمعنى اختطافه وتوجيهه ، ثم سلب الوعي والهيمنة على الهوية الثقافية ، بغرض إخضاع النفوس ، وتعطيل فاعلية العقل ، وتخريب نظام القيم وقوالب السلوك ، وتكريس نوع من الاستهلاك لنوع معين من المعارف والسلع والبضائع .


3- الاتجاه نحو نشر ثقافة الاستهلاك : تسعى تلك الثقافة إلى نشر الثقافة الاستهلاكية بما تمتلكه من بريق لامع وفكر واضح في هذا المجال ، ويمكننا تحديد معالم تلك الثقافية الاستهلاكية فيما يلي :

أ - ثقافة تبريرية وتخديرية تنمي روح الاستهلاك والابتذال والسلبية .
ب - ثقافة تجزيئية برجماتية وضعية نفعية تفتقد الأسس الموضوعية والرؤوية الكلية الشاملة والحس الاجتماعي.
جـ - ثقافة لحظية جامدة أحادية الاتجاه تفتقد البعد التاريخي والخبرة المتراكمة .
د - ثقافة فردية سطحية تفتقد الحس العميق بالهوية الذاتية والوطنية ، تهدف إلى تزييف الوعي والتقليل من أهمية التراث ، واقتلاع ثقافات الشعوب من جذورها .


وبناء على ماسبق فإن الهيمنة الثقافية في البلدان العربية لا تقتصر على ماتكرره الأدبيات الثقافية العربية ممثلة في الغزو الإعلامي عبر الفضائيات ووسائل الاتصالات المعاصرة ( الإنترنت ) ووكالات الأنباء الصهيونية والكتب والمجلات وغيرها التي لانغفل دورها في تمثل العوامل الخارجية للهيمنة للثقافية وهي تلعب دورا لا شك فيه ، ولكن نقطة الضعف المركزية تكمن في البنية التعليمية في بلادنا العربية ، لأنها الأساس الذي تتكون وتنمو وتنضج فيه الكوادر العلمية والفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية ، فهي البؤرة التي يجب أن تتجه إليها جهودنا من أجل الكشف عنها وإعادة صياغة أهدافنا ووسائلنا التعليمية ومناهجنا في فضاء يتسم بالحرية ، حرية الرأي والتفكير والجدل والحوار وتعدد الآراء والأفكرا ، وبذلك نفسح المجال أمام الطاقات الإبداعية في جميع المجالات ، لتكسر سياج التسلط الداخلي ، وأوجه الهيمنة الخارجية ، بإبداعات في جميع الميادين ، تتفاعل مع الثقافات الأخرى وتنهل منها وتنقدها وتمدها بعناصر جديدة بذلك تتحول علاقة الهيمنة إلى علاقة مثاقفة علاقة أخذ وعطاء " فحيثما توجد ثقافة حية نامية متحركة تتعامل مع مشكلات العصر الكبرى وتحدياته المصيرية بنجاح معقول وتتفاعل مع قضاياها الوطنية والفكرية والعلمية والتقنية والفنية بصورة خلاقة ينكمش تأثير الغزو الثقافي ، ويميل فعله إلى التلاشي " .


ويحصر " محمد عابر الجابري" أسباب الغزو الثقافي للثقافة العربية
في أربعة أسباب يمكن تلخيصها في النقاط التالية :

1- واقعـنا المتخلف ، وانتماؤنا إلى قائمة المتخلفين .
2- الغزو الإعلامي السمعي والبصري عبر وسائل الإعلام التي تهدد القيم والأخلاق وتغزو العاطفة والخيال .
3- قصور العرب في تبني الحداثة ، أدى إلى قصور في الفعل والتخطيط على جميع المستويات العلمية والثقافية والاقتصادية والسياسية على المستوى الوطني والقومي العربي ، وهذا مؤشر إلى عدم فهمنا واستيعابنا لأسس الحضارة المعاصرة .
4- إسقاط الحاضر على المستقبل وتقديم حلول للحاضر بكل ما يحمله من نقائص وإعادة إنتاج القديم على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والفكري ، أما على المستوى الثقافي فهو متروك للسياسة تمارس عليه المراقبة والقمع ويسود الصوت الواحد ، وهو صوت الجهاز الرسمي.

إذا تفحصنا الأدبيات الثقافية العربية التي تتناول الغزو الثقافي أو الهيمنة الثقافية نجد أكثرها يغلب عليه الطابع الخطابي ، الذي يتعد عن التحليل العميق ، الذي يكشف عن عمق إشكالية الهيمنة ، أي البحث عن أسبابها ومكوناتها وآلياتها ومناهجها وأهدافها القريبة والبعيدة .

 وإذا ماحاولنا حصر خصائص الأدبيات الثقافية العربية 
نجد ملاحظات نقدية أخرى نوجزها في مايلي :

1- الاطناب في وصف مظاهر الهيمنة الثقافية بشكل خطابي يحرك المشاعر ، ويغيب فيها التحليل العلمي العقلاني الواقعي الذي يخاطب العقل .

2- تتميز الأدبيات الثقافية العربية بالانتقائية والعشوائية في وصفها للهيمنة الثقافية بأسلوب يغلب عليه طابع الاستشباع والتعجب والاستفهام ، مبرزا مظاهر الهيمنة والنهب والعنصرية الأوروبية ودورها في سلب الإنسان في العالم العربي من ثقافته وتراثه .

3- إهمال الكثير من الأدبيات الثقافية والبحث عن الأسباب الحقيقية الظاهرة والخفية للهيمنة الثقافية في الطرفين المهيمن والمهيمن عليه ، وإظهار الطرف الثاني في صورة المغلوب على أمره ، وأنه ضحية مؤامرة غريبة استعمارية .

4- ميل أغلب الأدبيات الثقافية العربية إلى عدم مناقشة القاعدة المادية للتطور الغربي مثل الجانب الاقتصادي وعلاقته بالتقدم الغربي ، وإهمال قاعدة المادية في العالم العربي ودورها في تخلفه الذي جعلها في موقع المنفعل لا الفاعل في ثقافته وفي اقتصاده ، وتقدم التطور في أوروبا للقارئ العربي كأنه سر مغلق خطفته أوروبا من العرب في بداية عصورها الحديثة .

5- إهمال جل الأدبيات الثقافية العربية وتقديم الحلول لكيفية التعامل مع الهيمنة الثقافية الغربية ، واقتصارها على عرض مظاهرها وإبراز مخاطرها ، وعدم تناول هذه الأدبيات للأسباب التاريخية والاقتصادية لتقدم الطرف المهيمن ، وتخلف الطرف المهيمن عليه أدت إلى خلق وعي زائف يخدم استمرار الهيمنة وزيادة ترسيخها في المجتمعات العربية .

6- عدم وضوح أهداف بعض الأدبيات الثقافية العربية وأحيانا جرها إلى التطرف أو التعصب " على الرغم من النوايا الحسنة والمقاصد التقدمية أحيانا ، للانزلاق باتجاه المواقف الرجعية اجتماعيا والسلفية ثقافيا ، هذا في أحسن الأحوال ، أما أسوأها فإنها تطرح نفسها صراحة كدعوات سلفية وارتدادية تدافع عن نكوصيتها بدون تغليف أو مواربة . " ويتجلى ذلك في تمسك أصحاب هذه الأدبيات بمفهوم (الأصالة) الذي يعد مفهوما ميتافيزقيا لا ينتمي إلى الزمن وتحدياته ، وينفلت من التحولات التاريخية الاجتماعية والفكرية ، فبدلا من أن تعطي تلك الأدبيات الثقافية مفهوما مرنا للأصالة يحمل دلالات تترجم المصالح الملحة الراهنة ، وقضايا المجتمع الاجتماعية والثقافية والفكرية والعلمية والسياسية من أجل مواجهة الهيمنة ، تصر على تبني مفهوم جامد للأصالة ذي خصائص ثابتة غير قابلة للتغيير والتجديد .

7- تنظر بعض الأدبيات الثقافية العربية لمظاهر الحداثة في عصرنا الحديث على أنها تمثل صورة جلية للهيمنة الثقافية على العالم العربي وصورة من صور الغزو الثقافي ، فتلجأ إلى إدانتها ، دون أن تحدد ماهية هذه الهيمنة وكيفية علاجها .

8- كما تنتظر إلى المواطن العربي على أنه دائما منفعل لا فعال ، هو دائما متلق لا مرسل ، دون أن تبحث عن الأسباب العميقة الكامنة وراء ذلك ، الذاتية أو الخارجية ، وهي تدعو دائم إلى الحجر عليه بمنع بعض الكتب والمنشورات والفضائيات ، وهي بذلك تتعامل معه كالطفل الذي يجب حمايته من الخارج عن طريق منع تلك الوسائل عنه ، وهي نظرة تنم عن احتقار ، فبدل أن تدعو إلى إعطائه هامشا أكبر للحرية ، وتعمل على تحصينه من الداخل أي بنائه نفسيا وأخلاقيا وعلميا ، حتى يعرف كيف يتعامل مع المؤثرات الخارجية ، ويتحول بذلك من إنسان منفعل متعلق ، إلى فاعل ومشارك في بناء الحضارة المعاصرة ، نلاحظ جل الأدبيات الثقافية العربية تركز على العوامل الخارجية للهيمنة الثقافية ، بينما نجد الكثير من العوامل مستمدة من إرثنا الثقافي على المستوى الفكري والاجتماعي والتربوي والتعليمي ، وقد رسختها نظمنا التربوية والتعليمية السائدة ، فالعوامل الخارجية والداخلية تتضافر في خدمة الهيمنة الثقافية لا يمكن أن تصل إلى أهدافها مع وجود ثقافة حية فاعلة متحركة مبدعة ، تعالج مشاكل المجتمع الواقعية ، وتتغير وتتحول وتتطور مع تطور المجتمع وتستفيد من التطورات العالمية على جميع المستويات .

9- أما المرجعية التي تعتمد عليها الأدبيات الثقافية العربية ، فهي المرجعية التراثية ، والمرجعية الأوروبية ، الأولى : فهي تضخيم وتفخيم التراث العربي ، وتمجيده ، وتنادي بهوية جامدة مأخوذة من التراث ، أما الثانية: ذات الأصول الثقافية الأوروبية الصرفة ، وترفض التراث العربي ، وهي ترفع شعار ( إننا لا ننهض إلا بما نهضت به أوروبا ) وعلينا التمسك بخصائص الهوية العربية التي استطاعت أن تتطور فشيدت الحضارة المعاصرة ، أما الأدبيات الثقافية المنفتحة على المرجعين السابقين ، فهي تتعامل مع منظور نقدي مع المرجعين عن طريق بث الحياة فيما هو قابل للحياة والتطور من عناصر التراث العربي وإدخاله إلى حيز الممارسة وبالتالي تجاوزه ، وعدم الانبهار بكل ماجاء من أوروبا وإخضاعه للفحص والنقد من أجل بناء هوية ثقافية عربية تواكب العصر وتطوراته .

10- وأما مناهج الأدبيات الثقافية العربية للوصول إلى أهدافها ، فهي فهي تختلف فذات المرجعلية التراثية تستخدم عادة أساليب تراثية خطابية ، تعتمد على تحريك العواطف ودغدغة المشاعر الدينية ، وعلى التاريخ ، والقياس والمقارنة منهجا . أما ذات المرجعية الأوروبية ، والمنفتحة على المرجعين التراثية والأوروبية فهي تستخدم أساليب الجدل والمنطق والمناهج التاريخية الجدلية الهيجلية والمادية التاريخية ، والمنجزات العلمية المنهجية المعاصرة ، مثل البنيوية ، وتحليل الخطاب وتحليل المضمون ، والسيميولوجية والتفكيكية وغيرها من القراءات المعاصرة .


                                                                                               Dr.sayed gonim

مراحل تطور العولمة









لقد قام روبرتسون بتقسيم المراحل المختلفة التي مرت بها ظاهرة العولمة من خلال تعقبه بعدي الزمان والمكان وحدد المراحل التي مرت بها العولمة في خمسة مراحل أساسية هي :


أولا : المرحلة الجنينية :
و تمتد هذه المرحلة منذ بداية القرن الخامس عشر وحتى منتصف القرن الثامن عشر ، وشهدت تأسيس المجتمعات القومية ونموها ، كما تعمقت فيها الأفكار الخاصة بالإنسانية ، على صعيد سلطة الحكم أو سلطة المجتمع ، وسادت نظرية عن العالم .


ثانيا : مرحلة النشوء :
واستمرت منذ منتصف القرن الثامن عشر حتى عام 1870 ، وحدث في تلك الفترة تحول حاد في فكرة الدولة المتجانسة الموحدة ، وزادت الاتفاقات الدولية بين الدول المختلفة ، وبدأ الاهتمام بموضوع القومية والعالمية وبدأ النشاط السياسي منظما ونشأت المؤسسات الخاصة بتنظيم العلاقات والاتصالات بين الدول . وبدأت مشكلة قبول المجتمعات غير الأوروبية في المجتمع الدولي .


ثالثا : مرحلة الانطلاق :
وأخذت في الاستمرار منذ عام 1870 وحتى عشرينيات القرن العشرين حين ظهرت مفاهيم كونية جديدة أفرزتها نتائج الحرب العالمية الأولى مثل المجتمع القومي ، مناطق النفوذ وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ، كما ظهرت مفاهيم تتعلق بالهويات القومية والفردية ، كما تمت المنافسات الكونية لتنظيم الألعاب الأولمبية ثم تطبيق فكرة الزمن العالمي وجوائز نوبل .


رابعا: الصراع من أجل الهيمنة :
وتمتد من عشرينيات القرن العشرين إلى منتصف الستينيات وبدأت الخلافات والحروب الفكرية والسياسية حول المصطلحات الناشئة بعملية العولمة التي بدأت في مرحلة الانطلاق ، ونشأت صراعات كونية حول صور الحياة وأشكالها كانت ضرائبها باهظة وتم التركيز على الموضوعات الإنسانية بحكم حوادث الحروب المدمرة ، والتي استخدمت التقدم العلمي والتقني لخدمتها ، وبروز دور الأمم المتحدة ، وهكذا الاهتمام بعمليات العولمة .


خامسا : مرحلة عدم اليقين :
بدأت منذ الستينيات وأدت إلى أزمة التسعينيات ، وقد تم إدماج العالم النامي في المجتمع العالمي ، بعد أن تبني العالم أجمع  موضوع إنهاء الحقبة الاستعمارية وتصاعد الوعي الكوني من خلال الإطلالة على مشاكل ونجاحات المجتمعات المختلفة كما شهدت المرحلة نهاية الحرب الباردة وانفراد القطب الواحد .




ومن ثم تدرج الاهتمام في وقتنا الحاضر في تعميم نموذج الدولة القومية وفقا لمعادلة الأقسام الجديدة التي يتعرض لها العالم والتي هيمن عليها إلى حد بعيد النفوذ الأوحد والأقوى الذي تمثله الولايات المتحدة الأمريكية بعد انهيار قطب المعادلة السابق " الاتحاد السوفيتي" ، بهذا الشكل قد بات واضحا أن هناك ثلاثة عناصر رئيسية حكمت إعادة تشكيل العالم الراهن من وجهة نظر المجتمعات السائدة التي أنتجتها ، ومن خلال الدور الذي لعبته في التشكيلات الحضارية الأخرى من أجل تسهيل اختراقها ومن ثم استيعابها في ظل استراتيجية النظام الجديد وهذه العناصر هي الأمة ، والتقنية ، والدولية .. 
  


                                                                                                                      Dr.sayed gonim

الثلاثاء، 3 ديسمبر 2013

النشأة التاريخية لمفهوم العولمة :




إن العولمة Globalization كمفهوم هي أقرب ما تكون إلى العملية الحضارية المتكاملة cultural integrated process  تسعى إلى صياغة مجموعة التحولات الاقتصادية والسياسية والمعلوماتية التي طرأت على عالمنا في العقود الثلاثة الماضية بطريقة تدعم مسارا محددا لهذه التحولات وتخفي في الوقت نفسه الكثير من تناقضاتها وسلبياتها . وتدعيم هذا المسار المحدد في حد ذاته ينطوي على تهميش لمسارات أخرى ، واحتمالات أخرى مضمرة في نفس مجموعة التحولات التي اختير هذا المسار العولمي منها وتم تشييده على حسابها . و العولمة على نحو ما أوضحنا سلفا لا تزال في طور الصيرورة وهي البديل الجديد لما كان يسمى قديما بالايديولوجيات الشاملة أو الشمولية ليس فقط لأن شموليتها تتجاوز في طموحها كل مطامح الشموليات القديمة لتفرض نظامها على الكرة الأرضية برمتها ، أو على كوكب الأرض كله ، ولكن أيضا لأن الصراعات التي تتم على المستوى الدولي لفرض هذه الأيديولوجية الجديدة لا تقل شراسة في قسوتها ولا إنسياتها ومعادلتها للحرية الفردية عن تلك التي قتلت نقدا لفرضها القسري للأيديولوجيات الشمولية القديمة .ولأن الثمن الذي يدفعه المجتمع الإنساني على مذبح هذه الأيديولوجية الجديدة لا يقل دموية وبشاعة عن ذلك الذي يدفعه الإنسان ثمنا للأيديولوجيات الشمولية القديمة .

وعندما نتحدث عن العولمة بهذا المفهوم الذي يسعى إلى فرض هيمنته الأيديولوجية على الكرة الأرضية كلها ، فإننا نتحدث عن مجموعة من الظواهر أو مجموعة من العناصر المتداخلة ، تتخلق من اجتماعها وتفاعلها وتكاملها مع آلية هذا المفهوم أو النظام الشامل . وليس عن مجموعة من الملامح والسمات التي كان بعضها معروفا للمجتمع البشري طوال قرون . فمن ملامح هذه الظاهرة المسماة بالعولمة ازدياد علاقات التبادل الاقتصادي بين الأمم ، وتسارع معدلات رؤوس الأموال ، وانتشار المعلومات أو الأفكار ، وتأثر أمة بقيم وعادات غيرها من الأمم ، وتفشي ظاهرة الهيمنة والتبعية السياسية بشكل غير مسبوق ، ولكن هذه الملامح كلها قديمة قدم تطور الرأسمالية ذاتها ، وما استمرار بعضها في الظاهرة الجديدة إلا دليل العلاقة بين العولمة وماسبقها من ظواهر حضارية . فالعولمة هي نتاج تضافر مجموعة من العوامل وهي إفراز التفاعل بينها ، فليس في استطاعة أي عدد من العناصر بمفردها أن تخلق هذه النقلة الحضارية التي تعنيها العولمة ، ولكن تفاعلها وتكاملها وصيرورتها هي التي بلورت طبيعة هذا المفهوم المعقدة .

ولعل من أبرز الظواهر أو العناصر المشاركة في صياغة العولمة هي حركة الاتصالات وثورة المعلومات أو بالأحرى تدفق المعلومات بسرعة أكبر وبقدرة أعظم على اختراق الحدود القومية ، وانتشار الكمبيوتر والانترنت وما أدخل من تغيرات أساسية على بنية العمل والإنتاج والتسويق ، وانتقال الأفكار بين الثقافات بشكل مطرد ، والاهتمام بحركة التقنية وتدفق المعلومات والتقنيات الحديثة والتحكم فيها وفي توزيعها .

ويرى " مارشال ماكلوهان" Marshal Mcluhan  أن فكرة العولمة فكرة قديمة ترجع إلى فترة الستينات وبخاصة عندما استخدم مفهوم القرية الكونية Global Village ، وهو وثيق الصلة بمفهوم العولمة ، حيث اهتم " ماكلوهان" ببلورة فكرة تقليص سرعة حركة المعلومات للمسافات الجغرافية في كرتنا الأرضية التي تحولت إلى قرية صغيرة ، وتغير مفهومنا للزمن والمكان تغير مفهومنا لثقافة والإنسان ذاته ، وفتح آفاق جديدة  أمام الإنسان مما ترتب عليه من بلورة طاقات جديدة واقتحام مجالات لم يعرفها من قبل ، ومع هذا لم يظهر مصطلح العولمة في الستينات .

ويكشف التحليل السوسيو- تاريخي في حقيقة الأمر أن فكرة العولمة ليست جديدة ، فلم تظهر فجأة أو طفرة واحدة ، وإنما لها تاريخ طويل أعطى لهذه الظاهرة مكوناتها الزمنية والفعلية ومن ثم أخذت أسماء مختلة ، ففي فترة من الفترات كان أسمها " النظام الأوروبي " وفي فترات أخرى أصبحت " الحرب الباردة " ثم في الفترة الأخيرة أصبح أسمها "العولمة" . لكن كل هذه الأسماء تستهدف فكرة فكرة واحدة هي هيمنة الغرب على الشرق . فالعولمة ف حقيقة الأمر هي هيمنة وليست تنافسا ، وأنها لا تسمح بالتنافس بل تطرحه ولكن في النهاية هي الهيمنة ، لأن المطلوب من المنتاسفين ألا يمتلكون من عناصر القوة مما يجعلهم يتنافسون . هذه المسألة تاريخيا تعود إلى فترة القرن الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر . وهذه الفترة كان فيها دولة كبرى أسمها الدولة العثمانية ، وكانت مخيفة للغاية وبمعيار القوة كانت متفوقة ، ومن هنا أطلق الغرب الأوروبي مصطلحا اسمه ( المسألة الشرقية ) عبارة عن كيف يتعامل الغرب مع دولة قوية قوية اسمها الدولة العثمانية ، لها طبيعة إسلامية في مواجهة الغرب المسيحي ، ولماذا كانت بهذه القوة لأنها هددت أوروبا وأخضعت معظم البلقان لسيطرتها .

لكن في منتصف القرن الثامن عشر بدأ يتغير ميزان القوى لصالح الغرب ضد الدولة العثمانية وبخاصة مع ظهور الثورة الصناعية وما أحدثته من تغير نظام الإنتاج والنظام السياسي ، ومن ثم سقوط الدولة العثمانية وسيطرة الغرب ، ومن ثم تغيرت مجمل العادات والتقاليد (التغير الثقافي) والجوانب الاقتصادية وأنماط الإنتاج وبرز هنا جانب الصراع الدولي من جانب والصراع داخل المستعمرات من جانب آخر ، والتأرجح بين نظام غربي وآخر خلال تلك الفترات التاريخية والانسياق الغربي بشكل يكاد يكون انسياقا كاملا (الاستعمار المباشر) وسيطرة النمط الغربي على معظم أنحاء العالم . ثم مالبث الحال إلى أن ظهر النظام الشيوعي في روسيا عام 1917 ، وهنا ظهرت تقلبات في العلاقات الدولية حيث أخذ الصراع الدولي يحتدم بين القوتين لبسط نفوذهما على المستعمرات ، ولكن مع ظهور تناقض ثالث وهو النازية والفاشية أخذت القوتان تتحالفان ، وبعد التخلص من التناقض الثالث عادت القوتان لحلبة الصراع الدولي ، الاتحاد السوفيتي يساعد الدول المستعمرة للقيام بثورات تحررية ضد الاستعمار الغربي .

 ولكن الغرب عمل بمنهج آخر حيث بدأ بتغيير الثقافة عن طريق المساعدات وظهر مشروع عام 1947 أطلق عليه مشروع (مارشال) وهو مشروع الاستقطاب الثقافي في القرن التاسع عشر حتى لاتتحول البلاد إلى النظام الشيوعي وهو مشروع النقطة الرابعة .

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أخذ الصراع الدولي يشتد  قسوة بين القوتين العظمتين لبسط سيطرة كل منهما على الآخر ، ومن ثم ظهرت الحرب الباردة التي من خلالها قضت الولايات المتحدة بل ونجحت في ضرب الاشتراكية وبسط سيطرتها على العالم ، ومن هنا بدأت فكرة أو مصطلح العولمة يظهر إلى حيز الوجود في الفترات الأخيرة وبخاصة في تسعينيات القرن العشرين .

إننا نعتقد أن ما يسمى عولمة يمكن فهمه بأفضل صورة بأنه يشير إلى مشكلة الشكل التي يصبح العالم من زاويتها موحدا ولكن دون أن يندمج  بصورة وظيفية ساذجة بعبارة أخرى فالعولمة كموضوع هي مدخل فكري لمشكلة النظام العالمي بأشمل معانيه ولكنها مع ذلك كدخل ليت له وسيلة إدراكية دون مناقشة مستفيضة للمسائل التاريخية والمقارنة . كما أنها ظاهرة تتطلب ما يعرف عادة بالتناول المتعدد الأفرع للعملية . وقد تم تناول المجال العام لدراسة العالم ككل من خلال مبحث العلاقات الدولية ( أو الدراسات الدولية ) وقد تعزز هذا المبحث في أثناء بعض مراحل عملية العولمة الكلية ويعاد تكوينه حاليا بالإشارة إلى التطورات التي طرأت على سائر المجالات العلمية ومنها الدراسات الإنسانية ، والحقيقة أن أول نشاط مركز لدراسة العالم ككل من جانب علماء الاجتماع في الستينيات كانت من زاوية فكرة علم اجتماع العلاقات الدولية . ولا شك أن غالبية علماء الاجتماع حتى الوقت الحاضر يتناولون المسائل فوق المجتمعية من منظور العلاقات الدولية . إلا أن هذا الاتجاه أخذ في الانحسار مع تصاعد التساؤلات حول ما يسميه  "مايكل مان  M Mann" التصور المركزي للمجتمع . وهناك محاولات لإيجاد مبحث جديد لدراسة العالم ككل بما في ذلك النظام العالمي المعاصر .

وفي حقيقة الأمر إن النظرية الاجتماعية بأوسع معانيها أي كمنظور يمتد عبر العلوم الاجتماعية والدراسات الإنسانية قد اهتمت بدراسة هذه الظاهرة "فماركس وأنجلز" قد تكلما عن هذه الظاهرة نفسها ظاهرة العولمة منذ ما يقرب عن مائة وخمسون عاما ، عندما كتبا في البيان الشيوعي أن السلع التي تخرج من مصانع الرأسمالية ستأخذ في الانتشار شرقا وغربا ، ولن يفلح في صدها أي سور ولو كان بمناعة سور الصين العظيم ، ومن ثم فكثرة الحديث عن العولمة في السنوات العشر الأخيرة لابد أن يكون سببها ليس نشأة الظاهرة بل نموها بمعدل متسارع . ومن أي زاوية ننظر بها إلى العوملة سواء من زاوية معدل انتقال الأشخاص ومعدل انتقال السلع أو رؤوس الأموال أو المعلومات أو الأفكار نجد وراء هذا كله تطورا في التكنولوجيا ( أو تقدما في جميع الأحوال هو محل نظر وقابل للجدل) فالعولمة بنت التطور (أو التقدم) التكنولوجي سواء تمثل هذا التطور في اختراع العجلة أو البوصلة أو المطبعة أو الآلة البخارية أو التلغراف أو الطائرة أو التليفزيون أو الكمبيوتر . والاعتقاد الشائع بأن العولمة ظاهرة حتمية لا يمكن صدها أو الوقوف في وجهها ، سببه الاعتقاد بأن التطور ( أو التقدم ) التكنولوجي هو كذلك ظاهرة حتمية . كما قدمت أيضا نظرية التبعية تحليلا لهذه الظاهرة وبخاصة دور الاستثمار  الأجنبي المباشر كآلية جديدة رئيسية من آليات العولمة ، وما تعنيه العولمة لبلدان الأطراف من آثار لتلك البلدان. 

فالعولمة هي حقبة التحول الرأسمالي العميق للإنسانية جمعاء أي تحول علاقات الملكية وليس التحول السطحي أي تحول علاقات التبادل والتوزيع التي صارت منذ زمن بعيد ، وهذا يعني الانتصار من حيث المبدأ وفي كل مكان تقريبا لنمط معين من أنماط الملكية ، ولنمط معين من السيطرة على وسائل الإنتاج ولنمط معين من إنتاج الثروة وتوزيعها وتداولها وتبادلها في كل مكان على سطح الكوكب . والوسيلة الرئيسية التي تستخدمها الشركات الأجنبية العملاقة لتحقيق التحول هو الاستثمار الأجنبي المباشر في مجتمعات الأطراف ودولها واقتصادياتها والجديد هنا أن هذا الاستثمار الكلاسيكي ( المواد الأولية ، التعدين ، المواصلات ...) إلى الاستثمار في الصناعة وغيرها من المجالات الإنتاجية المباشرة وفي ما تحتاجه هذه من تنظيمات وتوابع ولواحق ومؤسسات مالية ومصرفية ودعائية واتصالاتي’ وخدماتية دون أن يعني ذلك التخلي عن استثمارات النوع الأول .

وهذا التحول مهم جدا لأن الاستثمار الأجنبي المباشر في الإنتاج ظل محصورا في الدول الرأسمالية المركزية ذاتها طيلة الفترة الإمبريالية الكلاسيكية أولا ولأن وقع هذا الاستثمار في مجتمعات الأطراف سيكون مختلفا عن وقعه في مجتمعات المركز ثانيا ، ولأن الأرباح ستخرج في معظمها من دول الأطراف باتجاه مواقع أخرى من العالم ثالثا ، ولأن هوية الرأسمال الأجنبي المصدر لم تعد محددة أو معروفة كما كانت في السابق أخيرا ، ومن ثم فإن ثورة المعلوماتية والاتصال لا تشكل جوهر العولمة ، بل عرضا من أعراضها . هي لازمة لضبط العمليات الإنتاجية المعقدة التي تقوم بها الشركات العولمية وتنسيقها ، وتسييرها لأن تلك العمليات مبعثرة جغرافيا وثقافيا . ولذلك فالعولمة ليست إفرازا من إفرازات ثورة المعلومات والاتصالات والإعلام ، بل هذه شروط ضرورية لها وإن كانت غير كافية ، فلابد من المضاربات العالمية في أسواق العملات والبورصات والأوراق المالية والأسهم والسندات وكلها تشكل مظاهر للعولمة ، أما جوهرها فيبقى متمثلا في عولمة عولمة الإنتاج نفسها الأرض ورأس المال والعمل .

ومن ثم أخذ مفهوم العولمة يظهر حديثا ، ولكننا نرى أن هناك ارتباطا وثيقا بينها وبين الحداثة والتحديث وما بعد الحداثة والتحديث . وليكن واضحا أنه بمحاولة تبرير الافتراض الذي أقدمه ، وهو أن العمل في إطار العولمة ينبغي أن يقتصر على الماضي القريب نسبيا . ونرى أن مفهوم العولمة في حد ذاته ينطبق على سلسلة خاصة من التطورات المتعلقة بالبنية الملموسة للعالم ككل . وينبغي ربطه مباشرة بالعالم الذي نحيا فيه ، وأن يسهم في فهم صورة النظام العالمي . وهناك ميل قوي لدى البعض للتأكيد على أن العالم الواحد في عصرنا يمكن تفسيره من ناحية عملية بعينها أو عامل واحد بعينه – كالتغريب أو الإمبريالية أو الحضارة بمعناه الدينامي – والحقيقة أن مشكلة العالمية يحتمل أن تصبح أساسا لصراعات ايديولوجية وتحليلية في القرن الحادي والعشرين .

                                                                                Dr.sayed gonim




السبت، 23 نوفمبر 2013

مقدمة كتاب " دراسات في علم الاجتماع الريفي "





يتوقف نجاح التنمية الحقيقية على مدى تقدم العلم والتكنولوجيا للعلوم الطبيعية والاجتماعية كافة ، نظراً لما يتيحه هذا التقدم من فهم الواقع ومشكلاته فهماً صحيحاً ، ومن ثم يضع العلاج الحاسم بل والفعال لتقدم المجتمعات ووضعها على الطريق الصحيح من خلال رسم حدودها الواقعية وصورها المستقبلية . فنحن على مشارف القرن الحادي والعشرين ومازالت معظم الدول النامية تسير في طريقها التنموي بدون وعي - أو بوعي مبتور وعلم حقيقي ، بل وتستعير برامجها وخططها التنموية من الخارج . في الوقت الذي أصبحت فيه البلدان المتقدمة تعتمد على ثورة المعلومات والاحتكار التكنولوجي .


ومن ثم فنحن في أمس الحاجة اليوم - وخاصة في ظل تلك الظروف العالمية المتغيرة ، والنظام الدولي الجديد الذي تتربع في قمته الولايات المتحدة الأمريكية ، تصدر وتنفذ القرارات تحت مسميات عديدة - إلى تقدم العلم والتكنولوجيا ، فلن تحدث تنمية حقيقية في البلدان النامية بدون تقدم علم الاجتماع الريفي Rural Sociology أو التكنولوجيا الريفية Rural Technology ، فكيف يمكن لتلك البلدان أن تسلك طريق التنمية ، وقاعدتها العريضة مازالت مجتمعات ريفية تقوم على المحاولة والخطأ ، وبدون علم متطور يتولى دراسة وتنمية المجتمع .



وتظهر أهمية علم الإجتماع الريفي في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى ، في ظل التحديات المفروضة على العالم النامي والتي أصبحت تنحصر في تحدي واحد رئيسي هو إما أو لا تكون ، وأمام عجز وتدهور المجتماعت الريفية في البلدان النامية في سد متطلبات سكانها من الغذآء ، فأصبحت تستورد رغيف العيش من الخارج ، فالوطن العربي على سبيل المثال أصبح يعتمد في جانب كبير من احتياجاته من السلع الغذائية الأساسية على الاستيراد من الخارج ، فأصبح يستورد السلع الغذائية ومستلزمات الانتاج الزراعي أكثر مما يصدر من هذه السلع ، أي أصبح معتمدا على الخارج وبتزايد السكان وتزايد الاستهلاك بمعدلات كبيرة سوف يزداد هذا الإعتماد على الخارج .



إن معدل الزيادة السكانية ، ومدى تلبية الزراعة لاحتياجات المجتمع ، بالإضافة إلى مدى التطور في مستوى المعيشة ، والظروف الدولية التي تؤثر على تحديد أهمية الاعتماد على الذات أو مدى إمكانية الاعتماد على الغير في توفير الاحتياجات الغذائية ، كلها عوامل تسهم بصورة أو بأخرى في تحديد درجة اهتمام المجتمع بالتنمية الزراعية وبالتالي علم الاجتماع الريفي ، في مدى تحليله وتشخيصه للواقع الريفي بكل صوره وأبعاده ومشكلاته ، ورسم سياساته المستقبلية . 



وفي واقع الأمر لم يكن هذا العجز في الانتاج الزراعي وليد الصدفة بل كانت المؤشرات تشير إليه منذ زمن طويل ، ويظهر ذلك في مساحة الأرض التي ظلت ثابتة في حين يتزاد السكان بمعدلات كبيرة ، وأسلوب الملكية والحيازة والبناءات الطبقية في الريف وتمركز القوة ونمط الاستغلال ، والفائض الاقتصادي المبدد ، علاوة على ثبات الاستثمار في التنمية الزراعية عند حده الأدنى ، لم يكن للزراعة ماتستحق من أولوية وإهتمام ، ومن هنا نشأت الفجوة التي أخذت تتزايد عاما بعد عام ، ولم يكن هناك من طريق سوى الاعتماد على الخارج وعليه بعد أن كانت الزراعة سند للتنمية في القطاعات المختلفة بما توفره من فائض اقتصادي أصبحت عبئاً على هذه القطاعات وبالتالي تدهورت معدلات التنمية الريفية الحقيقية .



ومن هنا تظهر أهمية علم الاجتماع الريفي في تشخيص الواقع الريفي وتقييم استراتيجيات التنمية الريفية وبخاصة في مجتمعنا المصري داخل إطار البيئة الاجتماعية والاقتصادية السياسية حتى يأتي بثمار إيجابية تنعكس سوآء على العلاقات الاجتماعية أو البيئية في إطار خطة واقعية تنبع من التكامل والتخطيط القائم على أسس علمية متخصصة ، وليست بطريقة عشوائية أو مكتبية .
وعليه فإن برنامج إعادة بناء الريف يجب أن يستمد من التحليل السوسيولوجي الدقيق للأوضاع الواقعية ، وأهداف الوجود الواقعي للمجتمع الريفي ، وتقييم القوى الفعلية للعمل داخله . ومن هنا يأتي دور الإبداع الحاسم بل والقاطع لعلم الاجتماع الريفي ، والذي يكون أساس لا غنى عنه في إعادة بناء الريف مثله في ذلك مثل باقي العلوم الإجتماعية والطبيعية .


                                                                                                                               Dr.sayed gonim