السبت، 6 سبتمبر 2014

الأسرة : التعريف، التطور، البناء (٢)


تطور الأسرة :

لكي نقف على طبيعة الأسرة والعلاقة بين أطرافها والعلاقة بين الأسرة والمجتمع لابد من توضيح التطورات المختلفة التي مرت بها الأسرة منذ الماضي وحتى الآن .

تؤكد الدراسة التحليلية لتطور الأسرة أن نظام المعاشر كان أقدم التشكيلات أو التجمعات البشرية . وكان هذا النظام بطبيعته ينطوي على ترابطات شبه أسرية من الصعب معرفة حدودها ونظامها. فلم يكن المعشر أسرة واحدة ولكنه كان مكونا من عدة خلايا أسرية. واختلفت هذه المعاشر في عدد أفرادها فقد تكون بضعة أفراد في بعض البيئات، وقد تبلغ المئات في البعض الآخر. ومهما يكن من أمر الحياة الاجتماعية داخل هذه المعاشر، فإن الترابطات شبه الأسرية التي تنطوي عليها كانت ضيقة النطاق لا تعدو الرجل وبعض النساء وأطفالهم وقامت الترابطات الأسرية في بعضها على أساس الزواج الأحادي - أي اقتصار الرجل على زوجة واحدة - وفي البعض الآخر على تعدد الزوجات. بمعنى الزواج الجمعي الذي ينقسم إلى قسمين:
أ-تعدد الزوجات : بمعنى رجل واحد له أكثر من زوجة.
ب-تعدد الأزواج : بمعنى امرأة واحدة تتزوج أكثر من رجل.

ويعترف بعض الكتاب بوجود شكل آخر للزواج الجمعي يسمى الزواج الجماعي - أو سينو جامي Cenogamy - يقوم بمقتضاه مجموعة من الرجال بالزواج من عدد من النساء.

ولعل أول شكل اتفق علماء الاجتماع في ظهوره على مسرح الحياة الاجتماعية كان ذا طبيعة دينية وعائلية في آن واحد. وقد أطلقوا على هذا النوع اسم العشيرة Leclan، فلم يكن لديهم فرق بين أسرة وعشيرة. وكان جميع أفراد العشيرة الواحدة يرتبط بعضهم ببعض برابطة قرابة متحددة الدرجة، ولم تكن هذه الرابطة قائمة على صلات الدم، كما هو الشأن في المجتمعات الحديثة في الوقت الحاضر. وإنما كانت قائمة على أساس انتماء الأفراد لتوتم واحد Totem. والتوتم عبارة عن نوع من الحيوان أو النبات تتخذه العشيرة رمزا لها ولقبا لجميع أفرادها، وتعتقد أنها تؤلف معه وحدة اجتماعية، وتنزله وتنزل الأمور التي ترمز إليه منزلة التقديس. فانتماء مجموعة من الأفراد لتوتم واحد يجعلهم أفراد أسرة واحدة ، ويربط بعضهم ببعض برابطة قرابة متحدة في درجتها وقوتها، أيا كانت صلتهم ببعض من ناحية القرابة الطبيعية. فلم تكن درجة القرابة التي تربطه بأي فرد آخر من أفراد عشيرته بل لقد كان يعتبر أجنبيا عن احد أبويه أو عن كليهما إذا قضت النظم المتبعة بانتمائه إلى عشيرة أخرى غير عشيرة إحداهما أو غير عشيرتهما.

وكانت العشيرة بهذا الشكل عبارة عن مجتمع عائلي حيث تتألف من أناس يعتبرون أنفسهم منحدرين من أصل واحد وان كانت تتميز عن غيرها من الأنواع حيث ان القرابة فيها تقوم على التوأم. وكان الطفل في الغالب يعتنق توتم أمه ومن هنا كانت القرابة من ناحية الأم فقط، ويعزى ذلك إلى الترحال الدائم لدى القبائل وعدم استقرار الرجال في جهة واحدة. ولما كانت الأم هي وحدها التي تقوم برعاية الأولاد، فإن الأسرة البدائية كانت لهذا السبب تقوم على سيادة الأم ونسبة القرابة إليها.

وعندما تقدمت المجتمعات إلى حالة الاستقرار تطور نظام الأسرة واتخذ شكلا يغلب عليه الطابع السياسي وبذلك ظهرت سيادة الأب في النظام العائلي، وما لبثت هذه السيادة أن طغت على كل شيء. وانتهى عصر الأسرة الأمية Regime Matriarical وبدأ عصر الأسرة الأبوية Patriarical Family، وقد ظهر هذا النمط خلال الحضارتين اليونانية والرومانية عندما ظهر مايعرف باسم كبير العائلة Pater Family بسلطانه المطلق على أفراد أسرته. فكان من سلطته أن يضيف إلى أسرته من يشاء من الأفراد حتى ولم يكونوا من أصلاب العائلة ، ويلفظ منها مايشأ حتى ولو كانوا من أصلابه. فقد كانت الأسرة عندهم تنتظم جميع الأقارب من ناحية الذكور وتنتظم كذلك الأرقاء والموالي والأدعياء وهم الأفراد الذين يتبناهم رئيس الأسرة أو يدعي قرابتهم له، فيصبحون أعضاء في أسرته ويمنحون اسمها ويسمح لهم بالاشتراك في طقوسها، وكان اسم الفرد منهم لا يذكر الا مقرونا باسم أسرته. وكانت تقام طقوس خاصة حين الاعتراف بالأولاد، فيوضع الطفل على عتبة حجرة كبير العائلة فإذا ضمه إلى صدره اعتبر ذلك اعترافا ببنوته، وإذا تركه ملقى على العتبة اعتبر أجنبيا عن الأسرة مباح بيعه أو قتله. ثم أخذ نطاق الأسرة يضيق شيئا فشيئا لاسيما عندما حاربت الشرائع نظام القبول والأدعاء ودعت الى إلغاء نظام الرق وفتحت منافذ العتق والتحرر. فلم يعد من حق رب الأسرة أن يدخل في نطاقها من يشاء، بل أصبح ذلك مقصوراً على نسائه وأولاده الذين يأتون من فراش صحيح أو عن طريق التبني في الحدود التي يقرها المجتمع، وهذا هو نطاق الأسرة الزوجية الحديثة التي تعتبر أحدث أشكال النظام الأسري. إلا أننا نلاحظ أن الأسر الريفية لا تزال تحتفظ ببعض رواسب النظام القديم، إذا يدخل في نطاقها الزوج والزوجة والأولاد وزوجاتهم وأحفادهم ثم البنات مادمن عذارى. وكذلك اللاتي لم يتزوجن وغير هؤلاء من العصب وبني العمومة وذوي القربى. وتعرف هذه الأسر باسم الأسر المركبة، لأنها تنطوي على أكثر من أسرة نواة. أما في المدينة فيذهب بعض الباحثين في وصفهم لأسلوب الحياة داخلها، أنه لا يزال واضحا وبخاصة في أحياء الطبقة العاملة والمناطق المزدحمة علاوة على مدن الأكواخ والمناطق العشوائية أسلوب حياة يشابه القرية، وتوجد بالفعل عناصر التشابه،فـــ شبكات القرابة تمتد طوليا وبطريقة متوازية، ويؤدي الأعضاء خدمات متبادلة، والكبار مكانة معترف بها في البناء، المجموعة بوظيفة - باستثناء الجماعات الشاردة - ومن ثم يظهر نمط الأسرة المركبة، أما ماعدا ذلك فتظهر في المدينة أسرة زواجية بالمعنى الصحيح فلا تكاد تحوي الا الزوج والزوجة والأولاد .


Dr.Sayedghonim