السبت، 23 نوفمبر 2013

مقدمة كتاب " دراسات في علم الاجتماع الريفي "





يتوقف نجاح التنمية الحقيقية على مدى تقدم العلم والتكنولوجيا للعلوم الطبيعية والاجتماعية كافة ، نظراً لما يتيحه هذا التقدم من فهم الواقع ومشكلاته فهماً صحيحاً ، ومن ثم يضع العلاج الحاسم بل والفعال لتقدم المجتمعات ووضعها على الطريق الصحيح من خلال رسم حدودها الواقعية وصورها المستقبلية . فنحن على مشارف القرن الحادي والعشرين ومازالت معظم الدول النامية تسير في طريقها التنموي بدون وعي - أو بوعي مبتور وعلم حقيقي ، بل وتستعير برامجها وخططها التنموية من الخارج . في الوقت الذي أصبحت فيه البلدان المتقدمة تعتمد على ثورة المعلومات والاحتكار التكنولوجي .


ومن ثم فنحن في أمس الحاجة اليوم - وخاصة في ظل تلك الظروف العالمية المتغيرة ، والنظام الدولي الجديد الذي تتربع في قمته الولايات المتحدة الأمريكية ، تصدر وتنفذ القرارات تحت مسميات عديدة - إلى تقدم العلم والتكنولوجيا ، فلن تحدث تنمية حقيقية في البلدان النامية بدون تقدم علم الاجتماع الريفي Rural Sociology أو التكنولوجيا الريفية Rural Technology ، فكيف يمكن لتلك البلدان أن تسلك طريق التنمية ، وقاعدتها العريضة مازالت مجتمعات ريفية تقوم على المحاولة والخطأ ، وبدون علم متطور يتولى دراسة وتنمية المجتمع .



وتظهر أهمية علم الإجتماع الريفي في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى ، في ظل التحديات المفروضة على العالم النامي والتي أصبحت تنحصر في تحدي واحد رئيسي هو إما أو لا تكون ، وأمام عجز وتدهور المجتماعت الريفية في البلدان النامية في سد متطلبات سكانها من الغذآء ، فأصبحت تستورد رغيف العيش من الخارج ، فالوطن العربي على سبيل المثال أصبح يعتمد في جانب كبير من احتياجاته من السلع الغذائية الأساسية على الاستيراد من الخارج ، فأصبح يستورد السلع الغذائية ومستلزمات الانتاج الزراعي أكثر مما يصدر من هذه السلع ، أي أصبح معتمدا على الخارج وبتزايد السكان وتزايد الاستهلاك بمعدلات كبيرة سوف يزداد هذا الإعتماد على الخارج .



إن معدل الزيادة السكانية ، ومدى تلبية الزراعة لاحتياجات المجتمع ، بالإضافة إلى مدى التطور في مستوى المعيشة ، والظروف الدولية التي تؤثر على تحديد أهمية الاعتماد على الذات أو مدى إمكانية الاعتماد على الغير في توفير الاحتياجات الغذائية ، كلها عوامل تسهم بصورة أو بأخرى في تحديد درجة اهتمام المجتمع بالتنمية الزراعية وبالتالي علم الاجتماع الريفي ، في مدى تحليله وتشخيصه للواقع الريفي بكل صوره وأبعاده ومشكلاته ، ورسم سياساته المستقبلية . 



وفي واقع الأمر لم يكن هذا العجز في الانتاج الزراعي وليد الصدفة بل كانت المؤشرات تشير إليه منذ زمن طويل ، ويظهر ذلك في مساحة الأرض التي ظلت ثابتة في حين يتزاد السكان بمعدلات كبيرة ، وأسلوب الملكية والحيازة والبناءات الطبقية في الريف وتمركز القوة ونمط الاستغلال ، والفائض الاقتصادي المبدد ، علاوة على ثبات الاستثمار في التنمية الزراعية عند حده الأدنى ، لم يكن للزراعة ماتستحق من أولوية وإهتمام ، ومن هنا نشأت الفجوة التي أخذت تتزايد عاما بعد عام ، ولم يكن هناك من طريق سوى الاعتماد على الخارج وعليه بعد أن كانت الزراعة سند للتنمية في القطاعات المختلفة بما توفره من فائض اقتصادي أصبحت عبئاً على هذه القطاعات وبالتالي تدهورت معدلات التنمية الريفية الحقيقية .



ومن هنا تظهر أهمية علم الاجتماع الريفي في تشخيص الواقع الريفي وتقييم استراتيجيات التنمية الريفية وبخاصة في مجتمعنا المصري داخل إطار البيئة الاجتماعية والاقتصادية السياسية حتى يأتي بثمار إيجابية تنعكس سوآء على العلاقات الاجتماعية أو البيئية في إطار خطة واقعية تنبع من التكامل والتخطيط القائم على أسس علمية متخصصة ، وليست بطريقة عشوائية أو مكتبية .
وعليه فإن برنامج إعادة بناء الريف يجب أن يستمد من التحليل السوسيولوجي الدقيق للأوضاع الواقعية ، وأهداف الوجود الواقعي للمجتمع الريفي ، وتقييم القوى الفعلية للعمل داخله . ومن هنا يأتي دور الإبداع الحاسم بل والقاطع لعلم الاجتماع الريفي ، والذي يكون أساس لا غنى عنه في إعادة بناء الريف مثله في ذلك مثل باقي العلوم الإجتماعية والطبيعية .


                                                                                                                               Dr.sayed gonim