السبت، 10 مايو 2014

الأسرة : التعريف، التطور، البناء (١)



مقدمة :

          ليس هناك نظام اجتماعي قيل عنه الكثير وضرب به المثل وانتقد ولم يفهم جيدا مثل نظام الأسرة Family . فالعديد من ذكرياتنا عن الطفولة وآمالنا في المستقبل تتمركز حول الأسر. فهي أهم مؤسسة اجتماعية تساعدنا على تشكيل شخصياتنا والتكيف مع البيئات المتغيرة حولنا. وبالطبع فإن هذا الدور هو الذي أضفى على الأسرة اهتماماً خاصاً، وساعد على تطورها كمؤسسة اجتماعية.

          فالأسرة هي الوحدة الأساسية في التنظيم الاجتماعي بمعنى أننا من خلالها نتطبع بعادات المجتمع. كما يجد الآباء والكبار أيضاً داخل الأسرة العديد من مصادر الرضا ويساهمون في استمرارية الحياة نفسها، وعلى الرغم من ذلك تتسبب الأسرة في خلق العديد من مشاكلنا الشخصية والاجتماعية بسبب أهميتها وشيوع روح الألفة والأسرية . ومن ثم ينظر الكثير منا إلى الأسرة على أنها تشكل أول خبراتها عن الحياة الاجتماعية في حين ينظر إليها البعض الأخر على أنها أكثر الجماعات استمرارية وبقاء. ويذهب فريق ثالث إلى أن الأسرة هي بالضرورة وحدة بيولوجية وأن مهمتها الأساسية هي التناسل وحفظ الأنواع. بينما يرى فريق رابع أن الأسرة لها طبيعة اجتماعية ثقافية، وأنها تشتق أساساً من المجتمع Society .
         أما بالنسبة لهؤلاء الذين يؤيدون النظرة البيولوجية Biological، فإن الأسرة باعتبارها جماعة متماسكة تتكون من أبوين ونسلهما، وليست متوقفة على الانسان ولكن توجد أيضاً في مجموعة الثدييات Mammals والطيور Birds ويرون أن الأسرة هي رابطة طبيعية تكونت للعناية بالصغار في فترة عدم قدرتهم على العناية بأنفسهم، وبمقارنة أطفال الجنس البشري بغيرهم من الأنواع الأخرى نجد أنهم يولدون بأعداد قليلة وبطريقة غير مستمرة ويظلون عاجزين لفترات طويلة، لذلك فإن العناية المستمرة ضرورية حتى يتسنى بقاء عدد كاف يضمن استمرار الجنس البشري. قد يكون ذلك صحيحا، ولكن الأسرة الانسانية تتميز بوجود الدساتير التي هي بلا شك اجتماعية، ووجود هذه الدساتير الاجتماعية وما تمثله من المعايير الثقافية التي تنقل عبر الأجيال المتلاحقة مع غيرها من الخصائص الإدراكية يميز الأسرة الانسانية عن غيرها مما يعرف باسم الأسرة البيولوجية الأخرى Families of other species .
         
         وعلى الرغم من أن الأسرة الانسانية ترتبط بشبكة من المؤسسات في المجتمع، فإن رابطها الأقوى يكون بالزواج Marriage الذي ينظم العلاقات بين الأفراد ويعطيها طابعا رسميا، ومن ثم يكون للزواج أهمية بالغة لفكرة الأسرة في كل المجتمعات. حيث يرى وستر مارك Wester Marck أن الزواج هو علاقة رجل أو أكثر مع امرأة أو أكثر تقرها القوانين أو العادات وتشتمل على حقوق وواجبات في حال الطرفين المشتركين وكذلك في حالة أطفالهما. ويصور لنا تعريف وستر مارك الزواج على أنه اجتماعي بحت ومميز تماماً عن مجرد الزواج البيولوجي، ويؤكد على الخصائص التي تشكل جوهر الزواج في كل المجتمعات، وبخاصة يجب أن يقره المجتمع أولاً وأن له حقوق وواجبات ترتبط به ثانياً. لذلك فإنه يستبعد العلاقات الجنسية العارضة. وكذلك العلاقات الثابتة غير المنتظمة، أي التي لا يقرها المجتمع وذلك وذلك على الرغم من أن بعض هذه العلاقات الأخيرة يمكن أن تسمى أسر ولكن لا يمكن أن نسميها زواج .



التعريف :

        وإذا كانت الأسرة الانسانية تختلف على النحو عن بقية أنواع الأسر البيولوجية، فماهو تعريف الأسرة .

       يشير المعنى الواسع للأسرة إلى مجموعة الأفراد الذين يعتقدون فيما بينهم أنهم ينتمون إلى جماعة مستقلة داخل المجتمع، ويربطون الواحد بالآخر عن طريق روابط الدم Blood أو الزواج Marriage. ويدرجها بقية أفراد المجتمع، ويرون أن هؤلاء يرتبطون ببعضهم البعض عن طريق علاقات خاصة تجمعهم. وطبقا لبروم  L.Broom وسيليزنيك P.Selznick أن الأسرة تتوسط بين الفرد والمجتمع وتساعد الفرد على أخذ مكانته في العالم الواسع .

       على أية حال يشتمل مصطلح الأسرة في استعماله العام (أسرة النواة) Nuclear Family التي تتكون من الزوج والزوجة والأولاد فقط ولا تضم أفراد آخرين، وكذلك على بعض الجماعات مثل الزوجين اللذين لم ينجبا، والأب يعيش مع ابن واحد، غير متزوج أو أكثر من ابن، وكذلك (الأسرة الممتدة) Extended Family التي تتكون ليس فقط من الآباء والأطفال وإنما تمتد لتشمل الأقارب الآخرين الأجداد والأعمام والعمات،وكذلك أيضاً رجل كبير وزوجته (أو عدة زوجات) وأطفالهم المتزوجين وزوجاتهم وأطفالهم غير المتزوجين ويشكلون حياة اقتصادية اجتماعية تحت رئاسة الأب الأكبر أو رئيس العائلة .
     
       ولقد أصبح من الشائع في الولايات المتحدة الإشارة الى الاسرة بمصطلح النواة التي تتكون من الزوج والزوجة وأطفالهما وعادة ما يكون الزوج عاملا أما الزوجة فتمكث في المنزل. وقد أصبحت هذه النظرة متأصلة، وعلى الرغم من قلة الأسر التي توافق على هذا الوصف للأسرة النواة، علاوة على أن هذا المفهوم لم يلق قبولا في جميع أرجاء العالم. وكذلك فإن العديد من الآراء عن الزواج والأسرة لم تحظ بقبول عام، حيث تختلف باختلاف المجتمعات. ولكن الحقيقة التي يمكن أن نؤكد عليها أن الأسرة كانت الجماعة الأولية والمستمرة عبر مراحل التاريخ وبين كل شعوب العالم .

        ويؤكد كثير من علماء الاجتماع أن الزواج وثمرته من الأطفال يؤدي إلى تكوين أسرة، بمعنى أن الاتحاد الدائم المستقر بين الرجل والمرأة بصورة يقرها المجتمع هو أساس تكوين أسرة. بينما الزواج الذي لا تصاحبها ذرية لا يكون أسرة، لأن مثل هذا الزواج العقيم من السهل جداً ان ينفصل عراه . ومن ثم أخذ قانون الضمان الاجتماعي المصري بهذا الرأي حيث يعرف الأسرة بأنها مجموعة من الأفراد مكونة من زوج وزوجة وأولاد في محل إقامة واحد، أو بعض أفراد هذه المجموعة إذا كانوا في معيشة موحدة ولو تباعدت محل إقامتهم .

       إلا أننا لا نستطيع أن ندعم هذا التعريف على طول الخط حيث تنتابه كثير من نواحي القصور والضعف من أهمها أنه لا ينطبق مع الواقع الفعلي إن لم يكن في كل المجتمعات فعلى الأقل من بعضها لأن هناك العديد من الأسر العقيمة التي تستمر حياتها على الرغم من عدم إنجاب أطفال، ويؤكد الواقع الفعلي ذلك . مما جعل بعض الباحثين على سبيل المثال أوجبرن و نيمكوف W.Ogburn & Nimcoff يعرفان الأسرة بأنها رابطة اجتماعية من زوج وزوجة وأطفالهما أو بدون أطفال، أو من زوج بمفرده مع أطفاله أو زوجة بمفردها مع أطفالها. و قد تكون الأسرة أكبر من ذلك بمعنى أنها تشتمل بالاضافة إلى الأفراد السابقين أفراد آخرين الجدود والأحفاد وبعض الأقارب شريطة أن يكونوا مشتركين في معيشة واحدة مع الزوج والزوجة والأطفال أو بدونهم .

         كما تعرف الأسرة أيضاً بأنها تجمع اجتماعي قانوني لأفراد اتحدوا بروابط الزواج والقرابة أو بروابط التبني Adoption وهم في الغالب يشاركون بعضهم بعضا في منزل واحد، ويتفاعلون تفاعلا متبادلا طبقا لأدوار اجتماعية محددة تحديدا دقيقا وتدعمها ثقافة عامة .
        ويتفق كل من بيرجس ولوك E. W. Burgess & H. J. Locke مع التعريف السابق حيث عرف الأسرة في كتابهما الأسرة الذي صدر عام ١٩٥٣ بأنها مجموعة من الأشخاص ارتبطوا بروابط الزواج، الدم، الاصطفاء أو التبني مكونين حياة معيشية مستقلة، ومتفاعلة ويتقاسمون الحياة الاجتماعية كل مع الآخر ولكل من أفرادها، الزوج والزوجة الأم والأب والابن والبنت، دورا اجتماعيا خاصا به ولهم ثقافتهم المشتركة . 
         وبالرغم من المآخذ التي تؤخذ على هذا التعريف والتي توجد في ذاته فإنه أفضل كثير من تعريف كينجزلي ديفز Kingsley Davis الذي عرف الأسرة بأنها جماعة من الأشخاص الذين تقوم العلاقات بينهم على أساس قرابة العصب ويكون كل منهم بناء على ذلك صهر للآخر . ويعد هذا تعريفا ناقصا للأسرة في الغرب المعاصر حيث يمكن أن يكون الأب الشرعي وغير الشرعي هو نفس الشخص فآلتبني هناك معترف به تماماً فالشخص المتبنى له عادة نفس حقوق عضو العائلة . كما أنه في بعض المجتمعات الصغيرة ، فإن الروابط الأسرية تتطلب اعترافا لذاته كابن لأب. ومع ذلك فإن النقص الأساسي في تعريف بيرجس و لوك هو أنه ينكر الفروق الحقيقية التي توجد في بناء الأسرة مثلما هي بين بعض المجتمعات.
 
        بينما يذهب كثير من المفكرين المحدثين - وخاصة من الأمريكان - إلى إطلاق لفظة الاسرة على كل وحدة اجتماعية مكونة من شخص واحد أو مجموعة أشخاص تكفل لنفسها استقلالاً اقتصاديا منزليا سواء انطوت هذه المجموعة  على وجود نساء وأطفال أو اقتصرت على عنصر الرجال فقط .
       وفي ضوء هذه الاعتبارات يعتبر كل فرد مستقل في معيشته أسرة وكذلك مجموعة الأصدقاء الذين يعيشون معيشة منزلية واحدة، وينطبق هذا التعريف أيضاً على المؤسسات الاجتماعية التي ترعى مئات الأطفال، ويذهب البعض إلى أنه من الأفضل أن يطلق على الوحدات ذات الطابع الاقتصادي والمعيشي اسم العائلة سواء كانت مرتكزة على القرابة أو لم تكن كذلك، أما لفظ أسرة بالمعنى العلمي الاجتماعي فيكون مقصوراً على نظم الأسرة الزوجية ومت نطوي عليه من اعتبارات متعلقة بنطاقها ومحور القرابة فيها والأشكال الزواجية التي تحددها الحقوق والواجبات المتبادلة بين عناصرها .

        يتضح من هذا العرض أنه ليس هناك تعريفا واحدا متفقا عليه للأسرة، فإذا كانت الاسرة تختلف من مجتمع لآخر بل وفي المجتمع الواحد ، فقد انعكس ذلك على تعريفها شأنها في ذلك شأن معظم تعريفات علم الاجتماع بوجه عام . فمن الصعوبة ان لم يكن من المستحيل أن نعرض للعديد من التعميمات أو الأحكام العامة للأسرة ويقبله المجتمع، ولكن الرأي الوحيد الذي يمكن قبوله بدون جدل، ان كل المجتمعات تتميز بشكل معين عن بناء الأسرة التي تقوم ببعض الوظائف المحددة، وبالرغم من أن شكل البناء والطرق التي تقوم بها الأسرة لتنفيذ مهامها ومشاركتها مع غيرها من المؤسسات قد تغيرت عبر العصور ، فقد وجدت وحدة اجتماعية أساسية تسمى الأسرة ..................     من كتاب :  " دراسات أسرية " 




        Dr.sayedghonim.        

الخميس، 1 مايو 2014

علم الاجتماع الريفي : تعريفه ومجالاته : (٢)

أما عن مجالات علم الاجتماع الريفي فيمكن حصرها في مرحلتين أساسيتين ارتبطتا بنشأة علم الاجتماع الريفي وتطوره هما: 

١-المرحلة الأولى : وهي مرحلة الأزمات والكوارث السابقة على الحرب العالمية الثانية وفيها انصبت مجالات علم الاجتماع الريفي على دراسة مشكلات المجتمع الريفي لاعتبارات الخدمة الاجتماعية ، الا أن البعض كان يعالج موضوعات سوسيولوجية تقليدية كالمجتمع المحلي والتعليم والأسرة والتقسيم الطبقي والهجرة . لكنها كانت تعالج أيضاً حينما تعاني من مشكلات معينة أي أنها لم تكن تدرس دراسة أساسية ،بل لأهداف تطبيقية وعملية وكانت تستخدم مناهج وإجراءات فجة ساذجة 
٢-المرحلة الثانية : تحول اهتمامات علم الاجتماع الريفي منذ الحرب العالمية الثانية من المشكلات الاجتماعية إلى الموضوعات ذات الدلالة السوسيولوجية ليس فقط تلك الموضوعات التقليدية في تراث علم الاجتماع الريفي كالتنظيم الاجتماعي ، وإنما بدأوا يهتمون بموضوعات ذات أهمية كبرى في علم النفس الاجتماعي والاتجاهات ، والشخصية ، والطامح ، والقيم والقيادة ، والاتصال والانتشار وغير ذلك . 

في حين حدد "لورى نيلسون "  Lory Nelson مجالات اهتمام علم الاجتماع الريفي في ثلاثة أبعاد أساسية أطلق عليها العرض والطول والعمق . أما البعد الأول وتمثل في العرض ويعني أن عالم الاجتماع الريفي لا يقتصر على وصف مجالات الحياة المحلي في الجانب الأفقي فقط، بل يجب آن يتضمن كافة أشكال الاتصال والعلاقات في نطاق الحيز المكاني ، أي أنه يهتم بتلك الوظائف التي الحياة الاجتماعية للإنسان الريفي، ومن ثم يكون مجاله عريض الاتساع يتنوع بقدر تنوع صور العلاقات والاتصالات الاجتماعية المختلفة .
 في حين يركز البعد الثاني على الطول، بمعنى أنه لا يتوقف على عملية وصف وتحليل المجتمع الريفي كما هو قائم ، وإنما لابد لعالم الاجتماع الريفي أن يدرك البعد الزمني فالمجتمع نتاج فترة طويلة من التفكير والتراكم الثقافي والخبرات الماضية العديدة ، فأي مجتمع من المجتمعات ليس وليد اللحظة التي يوجد فيها، ولكنه محصلة لفترات طويلة قامت بتشكيله على النحو الذي هو عليه ، فهو نتاج عملية تطورية مستمرة ، ولذلك فعالم الاجتماع الريفي مطالب بتوضيح القوى والعوامل الداخلية والخارجية التي ساعدت على تشكيل الظواهر الاجتماعية أي التركيز على البعد التاريخي للمجتمع أصوله وعوامل التغير وأسبابها وما ينتج عنها .
بينما يتعلق البعد الثالث والأخير من مجالات علم الاجتماع الريفي في العمق ،فنحن لا نستطيع أن نفهم الحياة الكلية للجنس البشري بدون معرفة الفرد نفسه من حيث احتياجاته ودوافعه واتجاهاته . أي كل أنواع السلوك المختلفة .

وبعد أن كان مجال علم الاجتماع الريفي شبه مركز في العلاقات الاجتماعية والجماعات والمشكلات الاجتماعية، اتجه نحو التوزيع والتوسع ليضم موضوعات كثيرة يحددها "بونز" على النحو التالي :
١- أيكولوجيا القرية التي تهتم بدراسة أنماط المناطق الريفية وأنماط المسكن ومناطق التجارة والمعاملات والخدمات . 
٢-التركيب الديموجرافي أو السكاني للسكان الريفيين .
٣- طبيعة الهجرة الريفية -الحضرية وأسبابها ومصاحباتها.
٤-الفوارق الريفية-الحضرية مع التركيز على الخصائص السكانية .
٥- مستوى المعيشة داخل التدرج الاجتماعي الاقتصادي .
٦- العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع المحلي وما يحويه من جماعات اجتماعية .
٧-بناء النظم الاجتماعية كالتعليم والدين والسياسة 
٨-الأسرة والقرابة والزواج 
٩-الفروق المهنية والتدرج الاجتماعي
العلاقات الريفية الحضرية وتأثير تحضر المجتمع الريفي على مكوناته المختلفة.

بينما قام "سيويل" William Sewell بحصر مجالات اهتمام علم الاجتماع الريفي وفقا لأساس تصنيفي  ينهض على أساس نقاط التركيز الكبرى وما تنطوي عليه هذه المحاولات الكبرى من موضوعات متخصصة مع إسقاط بعض الدراسات أو ضم البعض إلى دراسات أخرى ، وقسم البحوث التي نشرت خلال تلك الفترة التي تمتد من ١٩٣٦-١٩٦٥ إلى ثلاث مراحل أو فترات فرعية تمثل كل منها عقدا من الزمان :
~ المرحلة الأولى : وتقع فيما بين عامي ١٩٣٦-١٩٤٥ وهي فترة الأزمات والكساد الاقتصادي والحرب العالمية الثانية التي ترتب عليها مشكلات عديدة عانى منها المجتمع الأمريكي وبالتالي أثرت في اهتمام المختصين 
~ وتقع المرحلة الثانية : فيما بين عامي ١٩٤٦-١٩٥٥ وهي مرحلة نقاهة النظام الاقتصادي العام والتغيرات الكبرى في الاتصال ووسائل الانتقال والميكنة والتحضر 
~ أما المرحلة الثالثة : فتقع فيما بين عامي ١٩٥٦-١٩٦٥ وهي مرحلة الاستقرار والرخاء الاقتصادي التي أثرت في المجتمع الأمريكي والزراعة المصنعة وارتفاع مستويات المعيشة والتقلص الكبير لسكان المزارع .
وبناء على تلك الفترات التي قسمها " سيويل " قام بتحديد مجالات اهتمام علم الاجتماع الريفي على النحو التالي :
أ-مجالات نالت اهتمام الباحثين خلال كل مرحلة تاريخية من المراحل الثلاث .
ب-مجالات نالت اهتمام الباحثين على مستوى العقود الثالثة . 

(أ) المجالات التي نالت اهتمام الباحثين مرتبة حسب المراحل التاريخية فقد جاءت على النحو التالي :
أولاً: في الفترة  الأولى تركز اهتمامها على الاجتماع الريفي  حسب الترتيب في  المجالات التالية :
١-دراسة التنظيم الاجتماعي بما يحتويه من موضوعات متعددة مثل المجتمع المحلي ، التعليم، الأسرة، النظرية، والتدرج الاجتماعي .
٢-الرفاهية السياسية والاجتماعية وبخاصة السياسة والتخطيط والعمل الزراعي، و مشكلات الحياة الريفية والفقر والسكان .
٣-مناهج البحث والنظرية وما يتعلق بجميع البيانات والقياس
٤- ثم جاء الاهتمام بمعدلات قليلة بعلم النفس الاجتماعي والسكان والعلم نفسه والتغير الاجتماعي .
ثانياً: تركز مجالات اهتمام علم الاجتماع الريفي في الفترة الثانية في :
١-التنظيم الاجتماعي بما يحتويه من الاهتمام بالمجتمع المحلي، والتحضر ونمو الضواحي والأطراف ، والتعليم والأسرة ، التدرج الاجتماعي، النظرية، والملكية الزراعية .
٢-الرفاهية السياسية والاجتماعية بالتركيز على الصحة والإسكان ومستوى المعيشة ومشكلات الحياة الريفية ، والعمل الزراعي . 
٣-التركيز على مناهج البحث والعمل نفسه من حيث مكانته ومستقبله ، ثم علم النفس الاجتماعي وأخيرا التغير الاجتماعي وبخاصة الانتشار والتغير التكنولوجي . 
ثالثاً: في حين مجال اهتمام علم الاجتماع الريفي في المرحلة الثالثة يختلف إلى حد كبير ، وذلك كما سبق أن أوضحنا يرجع إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية حيث جاءت مجالات الاهتمام تركز على :
١-التنظيم الاجتماعي: وبخاصة المجتمع ، والتعليم ، والتدرج الاجتماعي للمِلْكِيَّة الزراعية .
٢-بينما جاء الاهتمام بعلم النفس الاجتماعي يحتل المرتبة الثانية وبالذات التركيز على الاتجاهات والشخصية والمشاركة والقيادة والاتصال .
٣-ويحتل التغير الاجتماعي المرتبة الثالثة وبخاصة الانتشار والنمو الزراعي والتغيير التكنولوجي .
٤-ثم الاهتمام بمناهج البحث والرفاهية السياسية والاجتماعية.

(ب)أما المجالات التي نالت اهتمام علم الاجتماع الريفي على مستوى العقود الثلاثة فكانت منحصرة في دراسة التنظيم التي حظت على أكبر نسبة ٣٠.٨٪ وبخاصة التعليم والأسرة والتدرج الاجتماعي، يليها الاهتمام بعلم النفس الاجتماعي ١٣.١٪ ثم مناهج البحث ١٠.٦٪ وإن كانت الرفاهية السياسية والاجتماعية قد حظت على اهتمام كبير في الفترة الأولى والثانية بينما اختلف الحال في المرحلة الثالثة .

ثم جاء موضوع السكان بتفرعاته المختلفة كاتجاهات النمو السكاني والتركيب والتوزيع والخصوبة والوفيات والهجرة ، علما بأن موضوع السكان يعد واحدامن الموضوعات التقليدية في علم الاجتماع الريفي .أما مبحث التغير الاجتماعي فقد نشرت فيه مقالات نظرية وصفية كال تجديد والانتشار والميكنة والتنمية الاجتماعية والزراعية .
ويعني هذا التغير في مجالات علم الاجتماع الريفي أن المتخصصين فيه قد غيروا اهتماماتهم من المشكلات الاجتماعية الريفية إلى مجالات أخرى ذات أمية سوسيولوجية ، وهذا لا يعني أنهم هجروا هذه المشكلات ، ولكنهم اتجهوا إلى رؤيتها من منظور سوسيولوجي أكثر اتساعا .
وإذا كان علم الاجتماع الريفي بالمعنى الأمريكي لم يظهر في أوروبا إلا بعد الحرب العالمية الثانية ، وكان علم الاجتماع الأوروبي لم يهتم بدراسة علم الاجتماع الريفي وحتى حينما ظهر هذا العلم نتيجة العوامل سابقة الذكر ، فقد انحصر مجال اهتمام هذا العلم على دراسة مايلي :
١-الاهتمام بثقافة المجتمعات وقيمها حيث تعالج موضوعات مثل الانتشار في ضوء النظريات الكبرى للانتشار الثقافي من ناحية وفي ضوء القيم والمعايير التقليدية من ناحية أخرى  . وربما يرجع ذلك التباين في مجال الاهتمام عن المفهوم الأمريكي ، نظرا لاختلاف المجتمعات الريفية في أوروبا عنها في أمريكا فهي مجتمعات تاريخية أو تقليدية أو لها ثقافات خاصة .
٢-ركزت معظم الدراسات الأوروبية على دراسة المجتمع القروي بوصفه كلا ، دون التركيز على موضوع أو ظاهرة بعينه داخل مثل هذا المجتمع القروي، مثال اختيار القادة في القرية ، أو التقسيم الطبقي للمناطق الريفية .
٣-أخذت الدول النامية نفس الخط تقريبا في تحديدها لمجال علم الاجتماع الريفي .



     Dr.sayedghonim

علم الاجتماع الريفي تعريفه ومجالاته : (١)

هل علم الاجتماع الريفي علم مميز ، أم أنه مجرد تطبيق للمبادئ العامة لعلم الاجتماع sociology على مجال الظواهر الاجتماعية الريفية ؟ وهل يجب أن يقتصر مجال علم الاجتماع الريفي فقط على عمليات الحياة في المجتمع الريفي ، أم يجب أن يتضمن دراسة الحياة الريفية والحضرية والمقارنة بينهما  ؟  أو كما وصفه زيمرمان Zimmerman على أنه ميكانيزمات وتأثيرات الحضرية والريفية على السكان . 
نخرج من تلك التساؤلات السابقة أنه لا يوجد اتفاق عام بين المشتغلين بعلم الاجتماع الريفي سواء في تحديد مفهومه أو مجاله ، فمنهم من ضيق نطاق مجاله وفقا لتعريفه ، ومنهم من وسع من مجالات هذا العلم . الا أن مشكلة عدم الاتفاق على التعريف والمجال ليست هي السمة المميزة لعلم الاجتماع الريفي فقط ، فإن الملاحظ على علم الاجتماع في عمومه لا يجد تعريف عام يقبله الجميع ولا اتفاق أيضاً على مجاله حتى الآن بين السوسيولوجيين ، ومن ثم فإن ما ينطبق على الكل ينطبق أيضاً على الجزء . 
ولكن على الرغم من تلك الاختلافات بين علماء الاجتماع الريفي فيما يتصل بتحديد مجاله ومفهومه ، يوجد أيضاً عدد من الاتفاقات الأساسية فيما بينهم هي : 
١- يؤكد علماء الاجتماع الريفي أن الحياة الاجتماعية للمجتمع  society تنقسم الى قسمين متمايزين هما المجتمع المحلي الريفي rural community ، والمجتمع المحلي الحضريUrban community وعلى الرغم من التفاعل بينهما إلا أن كل منهما يتميز عن الآخر تميزا واضحا .
٢- تقدم الحياة الاجتماعية في الأماكن الريفية خصائص وتكنيكات خاصة بها تميزها عن الحياة الاجتماعية في الأماكن الحضرية .
٣- يجمع علماء الاجتماع الريفي أن الهدف الرئيسي لعلم الاجتماع الريفي يجب أن ينحصر في الدراسة العلمية المنظمة والشاملة للتنظيم الاجتماع الريفي ،بناؤه ووظائفه والتكنيكات الموضوعية لتقدم هذا المجتمع . وأن يكون أساس هذه الدراسة هو اكتشاف القوانين .  فإذا كان هدف كل علم حتى اليوم سواء كان علم طبيعي أو اجتماعي هو اكتشاف قوانين التطور الطبيعية أو الاجتماعية  ، فإن المهمة الأساسية لعلم الاجتماع الريفي هو اكتشاف قوانين تطور المجتمع الريفي .
في حين يعرفه البعض الآخر بأنه العلم الذي يهتم أساسا بدراسة ووصف وتحليل العلاقات القائمة بين الجماعات الانسانية التي تعيش في بيئة ريفية شأنه في ذلك شأن أي فرع أخر من فروع علم الاجتماع العام
ويمكن تعريفه بأنه الدراسة العلمية للسكان الريفيين والعلاقات القائمة بينهم ، أو بعبارات أخرى هو العلم المعني بدراسة أهل الريف 
وما تربطهم من صلات وتلك التي تربطهم وغيرهم من السكان الريفيين ........ يتبع





Dr.sayed ghonim