الاثنين، 6 يناير 2014

مفهوم التغير الاجتماعي :




لقد حظي موضوع التغير الاجتماعي على اهتمام الفلاسفة والعلماء والباحثين على اختلاف تخصصاتهم ، فقد عرف "هرقليطس" التغير الاجتماعي بقوله التغير هو قانون الوجود ، وأن الاستقرار موت وعدم، وشبه التغير بجريان الماء فقال:"أنت لا تنزل النهر الواحد مرتين، فإن مياه جديدة تجري من حولك". ويشهد الواقع والتاريخ على أن المجتمعات الانسانية لاتثبت على حالة واحدة دائما، شأنها شأن الأفراد ومظاهر الكون. فهي في حالة تغير مستمر لا يمكن إيقافه، وكذلك المجتمعات فهي في حالة دائمة من الحركة والتعديل والتغيير.


والتغير هو أحد الحقائق التي تميز عالم الانسان عن عالم الحيوان فالحيوانات لا تغير من نماذج وأساليب حياتها، وإذا حدث تغير طفيف فإنه لا يقارن بما يحدث في العالم الانساني، ومع ذلك فإن التغير في العالم الحيواني إنما هو تغير بيولوجي فقط، والانسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يستطيع فقط أن يتكيف مع بيئته وإنما يستطيع أن يخلق بيئة جديدة. التغير الاجتماعي إذن حقيقة واقعة، والاختلاف هو في معدل سرعته من مجتمع إلى آخر، فقد يكون سريعا في مجتمع، وبطبئا في آخر، ولكنه موجود وقائم فعلا وانعدامه شيء مستحيل. انه سمة أساسية من سمات الحياة الاجتماعية حدث ومازال يحدث منذ فجر التاريخ وحتى وقتنا الحاضر.


في حين ذهب "جون ديوي" إلى القول: إذا كانت الحركة هي الحقيقة االفيزيقية الأولى - كذلك فإن التغير حقيقة اجتماعية. أما "أوجست كونت" فقد تعرض لموضوع التغير عندما تحدث عن الفرق بين الاستاتيكا الاجتماعية والديناميكا الاجتماعية. فالأولى (الإستاتيكا) هي دراسة المجتمعات في حالة استقرارها - أي دراسة المجتمع خلال فترة زمنية معينة من تاريخه. إما الديناميكا الاجتماعية، فهي دراسة قوانين الحركة الاجتماعية والسير الآلي للمجتمعات الانسانية والكشف عن مدى التقدم الذي تخطوه.


وبالرغم من مراحل التطور التي مر بها علم الاجتماع منذ نشأته حتى الآن فمازال موضوع التغير الاجتماعي social change من حيث التعريف والأسباب مصدرا لعدم الاتفاق بين علماء الاجتماع نتيجة لاختلاف أرائهم وتعدد انتماءاتهم. الأمر الذي انعكس بصورة واضحة حتى على مستوى تحديد ماهو المقصود بالتغير الاجتماعي، فمنهم من وسع من نطاق المفهوم، ومنهم من اختزله بطريقة افقدته مضمونه ومعناه. ولكن على الرغم من ذلك لا نستطيع بحال من الأحوال أن نقلل من شأنهم أو نتجاهل دورهم فهم الذين كان لهم السبق في هذا المجال ولفتوا الأنظار إلى أهميته ودوره في المجتمع. ومن ثم سوف نعرض لبعض تلك التعريفات حتى نستطيع الوقوف على حقيقة مفهوم التغير الاجتماعي.


يؤكد البعض إن التغير الاجتماعي هو تغير ذو معنى هام في البناء الاجتماعي والثقافة. ومن ثم يجب فهم المقصود بالبناء الاجتماعي والثقافي من أجل فهم التغير الاجتماعي. فمقهوم البناء الاجتماعي يعني شبكة العلاقات الاجتماعية التي يتم التفاعل فيها بين الأفراد بحيث تصبح شبكة روتينية أو مكررة. أما على المستوى النظري المجرد فيمكن النظر إلى البناء الاجتماعي على أنه أدوار اجتماعية مستمرة، والمجموعات والتنظيمات والمؤسسات والمجتمعات.
ولكن يجب ألا نركز فقط على الجوانب البنائية، بل لابد من ربطها بالجوانب الثقافية حيث أن الفصل بينهما إنما هو فصل تعسفي ولايمكن حدوثه في الواقع الاجتماعي فإذا كان البناء الاجتماعي هو شبكة العلاقات التي يعيش فيها الناس، فإن الثقافة هي طريقة العيش التي تتضمن اللغة والرموز والمعرفة والمعتقدات والقيم والمعايير ومن ثم فإن أي تغير سواء في البناء أو الوظيفة سوف يؤدي إلى التغير الاجتماعي أي تقديم الصورة الكاملة للتغيير، حيث يجب أن نهتم بالعوامل البنائية مثل السكان، الأسرة، حجم التنظيمات وتعقيداتها، وكذلك أيضا كيف يواصلون التغير في الثقافة.


يرى فريق من الباحثين أن التغير change يعني اختلاف ما بين الحالة الجديدة والحالة القديمة، أو اختلاف الشيء عما كان عليه خلال فترة زمنية محددة وحينما تضاف كلمة الاجتماعي social التي تعني ما يتعلق بالمجتمع فيصبح التغيير الاجتماعي هو التحول الذي يطرأ على البناء الاجتماعي في الوظائف والقيم والأدوار الاجتماعية خلال فترة محددة من الزمن.


وقد يكون هذا التغير ايجابيا أي تقدما وقد يكون سلبيا أي تخلفا. أي ليس هناك من اتجاه محدد للتغير الاجتماعي يدل على العملية التي تحدث من خلالها تغيرات جوهرية في البنيان الاجتماعي والمهام الخاصة بالأجهزة الاجتماعية. ويقصد بالبنيان الاجتماعي تلك التغيرات التي تحدث في أنماط التفاعل بين الأفراد والعلاقات الاجتماعية بينهم والتي تحكمها المعايير الاجتماعية من ناحية، ونظام الثواب والعقاب أي الدافع والرادع من ناحية أخرى. أما التغير في المهام الخاصة بالأجهزة الاجتماعية فهي تلك التغيرات الخاصة بوظائف العناصر المكونة لهذه الأجهزة مثل دور العبادة والأسرة، التعليم، الصحة، المؤسسات السياسية والاقتصادية والقانونية والإعلامية. وعليه فإن التغير الاجتماعي من حيث القيم والمعايير، والانتاج الثقافي الرمزي (المعنوي) والمادي .


وربما جاء تعريف "رادكليف براون" أقرب إلى تلك التعريفات حيث ذهب إلى القول إن لفظ التغير change والأكثر دقة منه لفظ عملية process- لفظ غامض فيما يتعلق بالمجتمعات البدائية - حين نشاهد حفل زواج والنتائج المترتبة المترتبة عليه، فهناك رجل وامرأة ارتبطا منذ الاحتفال بزواجهم بعلاقة زواجية، ومن الواضح هنا إننا أمام تغير change أو عملية process، هناك تغير حدث في البناء الاجتماعي. أما النوع الاخر من التغير، فيقع في المجتمع إما نتيجة عوامل تأتي من الخارج "كالاحتكاك الثقافي" ومهما كان التغيير كبيرا أو طفيفا، فإن المجتمع يمر من حالة معينة للبناء الاجتماعي إلى حالة أخرى جديدة.
ويذهب فريق ثاني إلى القول بأن التغير الاجتماعي هو بمثابة عملية انتقاء وتأقلم بيولوجية، وأنه عبارة عن عملية تقدم من الأشكال البسيطة إلى الأشكال المعقدة.

 بينما يرى فريق ثالث أن التغير ظاهرة مكررة دائمة الحدوث، وأن تأثيراته قد أصبحت واسعة النطاق بفضل التطورات التي طرأت على وسائل الاتصال، وأن التفاعل بين طوقين أو أكثر شرط أساسي لحدوث التغير.

في حين يرى فريق رابع على مفهوم التغير الاجتماعي بمعناه الشامل فذهبوا إلى القول بأنه هو العلملية التحويلية في النظم الاجتماعية، وتحتوي هذه النظم أنماط الفعل والتفاعل وماينتجه من معايير - قواعد السلوك - وقيم وثقافة الرموز. فهو معنى أدق التعديلات التي تحدث في شتى أنواع الحياة في مجتمع ما أو شعب من الشعوب كنتيجة لعوامل كثيرة متعددة في فترة زمنية محددة.

وعلى الرغم من كل الاختلافات السابقة بين العلماء والباحثين يمكننا تعريف التغير الاجتماعي، بأنه عملية حركية اضطرارية مستمرة متتابعة. بمعنى الاختلافات والتعديلات التي تطرأ على أنماط العلاقات الاجتماعية كالسلوك الاجتماعي، وطبيعة ومضمون وبناء الجماعات والنظم خلال فترة معينة من الزمن وبحيث يمكن ملاحظتها وتقديرها، ويحدث نتيجة عدة عوامل متداخلة ومتشابكة ويؤثر بعضها في بعض. ومن ثم لا يأخذ صورة واحدة فهو ذو أنماط ومستويات مختلفة .